للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورحلت فِي تَاسِع عشره تُرِيدُ سيس وأحاطت بطَائفَة من التراكمين اليراكية فانتهبت كثيرا من خيل ومتاع وأثاث ثمَّ أمنوهم بسؤالهم ذَلِك وَتَفَرَّقَتْ جموع التركمان بالجبال وَمَرَّتْ العساكر إِلَى جِهَة سيس. وأحضر ابْن رَمَضَان وَأَخُوهُ قرا مُحَمَّد وَمن أمسك مَعَهُمَا فوسطوا وَعَاد الْعَسْكَر يُرِيد المصيصة. وَركب الْأَمِير يلبغا الناصري بعسكر حلب وسلبهم جبلا يُسمى صاروجا شام وَهُوَ مَكَان ضيق حرج وعر بِهِ جبال شوامخ وأودية عِظَام مغلقة بالأشجار والمياه والأوحال وَبِه دربندات خطرة لَا يكَاد الراجل يسلكه فَكيف بالفارس وفرسه الموفرين حملا باللبوس وَإِذا هم بطَائفَة من التركمان اليراكرية فَجرى بَينهم الْقِتَال الشَّديد. فَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة وفقد الْأَمِير يلبغا الناصري وَجَمَاعَة من أُمَرَاء حلب وَإِذا بهم قد تاهوا فِي تِلْكَ الأودية. ثمَّ تراجع النَّاس وَقد فقد مِنْهُم طَائِفَة. وداخل الْعَسْكَر رعب شَدِيد وَخَوف كَاد يذهب مِنْهُ أَرْوَاحهم. ووصلهم الْخَبَر بِأَن التركمان قد أحاطوا بدربند بَاب الْملك فالتجأوا إِلَى مَدِينَة إِيَاس. ثمَّ قدم يلبغا الناصري إِلَى إِيَاس بعد انْقِطَاع خَبره فتباشروا بقدومه وَأَقَامُوا عَلَيْهَا أَيَّامًا ثمَّ رحلوا فَلَقِيَهُمْ التركمان فِي جمع كَبِير. فَكَانَت بَينهم وقْعَة لم يمر لَهُم مثلهَا. قتل فِيهَا خلق كثير وانجلت عَن كسرة التركمان بعد مَا أبلى فِيهَا الناصري بلَاء عَظِيما. وارتحل الْعَسْكَر يَوْم عيد الْأَضْحَى إِلَى جِهَة بإياس فَمَا ضربت خيامهم بهَا حَتَّى أحَاط بهم التركمان وأنفذوا فرقة مِنْهُم إِلَى بَاب الْملك فوقفوا على دربنده وَمنعُوا عَنْهُم الْميرَة فعزت الأقوات عِنْد الْعَسْكَر وجاعت الْخُيُول وَكثر الْخَوْف وأشرفوا على الْهَلَاك إِلَّا أَن الله تداركهم بخفي لطفه فَقدم عَلَيْهِم الْخَبَر بوصول الْأَمِير سودن المظفري - حَاجِب الْحجاب بحلب - فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَقد استخدم من أهل حلب ألف راجل من شُبَّان بانقوسا ودفعوا إِلَيْهِم مائَة دِرْهَم كل وَاحِد. وَخرج الْعلمَاء والصلحاء وغالب النَّاس وَقد بَلغهُمْ مَا نزل بالعسكر. وَنُودِيَ بالنفير الْعَام فَتَبِعهُمْ كثير من الرجالة والخيالة والأكراد بِبَلَد الْقصير والجبل الْأَقْرَع وَغَيره من أَعمال حلب. فَقَامَ بمؤنتهم الْحَاجِب وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وهجموا على بَاب الْملك فملكوه وَقتلُوا طَائِفَة مِمَّن كَانَ بِهِ من التركمان وهزموا بَقِيَّتهمْ. ففرح الْعَسْكَر بذلك فَرحا كَبِيرا وَسَارُوا إِلَى بَاب الْملك حَتَّى جاوزوا دربنده ونزلوا بغراس ثمَّ رحلوا إِلَى أنطاكية وَقدمُوا حلب. فَكَانَت سفرة شَدِيدَة الْمَشَقَّة بلوا فِيهَا من كَثْرَة تتَابع الأمطار الغزيرة وتوالى هبوب الرِّيَاح الْعَاصِفَة وَكَثْرَة الْخَوْف ومقاساة آلام الْجُوع مَا لَا يُمكن وَصفه. .

<<  <  ج: ص:  >  >>