للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّاس رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَعِنْدهم من الْفَرح وَالسُّرُور شَيْء زَائِد وهم يضجون بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان حَتَّى لقوه وَأَحَاطُوا بِهِ وَقد فرشت الشقق الْحَرِير من الترب إِلَى بَاب السلسة. فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا تنحى بفرسه عَنْهَا وَقدم الْملك الْمَنْصُور حاجي بن الْأَشْرَف حَتَّى مَشى بفرسه عَلَيْهَا وَمَشى بجانبه فَصَارَ كَأَن الموكب للمنصور فَوَقع هَذَا من النَّاس موقعاً عَظِيما وَرفعُوا أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ والابتهال لَهُ لتواضعه مَعَ الْمَنْصُور فِي حَال غلبته وقهره لَهُ وَأَنه مَعَه أَسِير وعد هَذَا من فضائله. وَصَارَت الْقبَّة وَالطير أَيْضا على رَأس الْمَنْصُور الْخَلِيفَة رَاكب بَين أَيْدِيهِمَا وقضاة الْقُضَاة بَين يَدي الْخَلِيفَة. فَإِذا تقدم الْفرس عَن شقة إِلَى أُخْرَى تناهبها الْعَامَّة من غير أَن يمنعهُم أحد. وَكَانَت الْعَادة أَن الشقق الْحَرِير لجمدارية السُّلْطَان لكنه قصد بفلك التحبب للعامة فَإِنَّهُ صَاحب كيد ودهاء. وَكَذَلِكَ لما نثر عَلَيْهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة تناهبه الْعَامَّة. وعندما وصل إِلَى بَاب القلعة نزل عَن فرسه وَمَشى رَاجِلا تجاه فرس الْمَنْصُور - وَهُوَ رَاكب - حَتَّى نزل فَأخذ يعضده وأنزله فَحسن هَذَا مِنْهُ إِلَى الْغَايَة. وَأخذ فِي الْمُبَالغَة فِي تَعْظِيمه ومعاملته. مِمَّا يُعَامل بِهِ الْأُمَرَاء سلطانهم إِلَى أَن أدخلهُ دَاره بالقلعة ثمَّ تفرغ لشأنه. واستَدعى الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة وَأهل الدولة وَهُوَ بالإصطبل. وجدد عقد السلطنة وتجديد التَّفْوِيض الخليفتي فَشهد بفلك الْقُضَاة على الْخَلِيفَة ثَانِيًا وأفيضت التشاريف الخليفتية على السُّلْطَان ثمَّ أفيضت التشاريف السُّلْطَانِيَّة على الْخَلِيفَة. وَركب السُّلْطَان من الإصطبل وَصعد القلعة وتسلم قصوره وَقد عَاد إِلَيْهَا حرمه وجواريه فحقت البشائر. واستمرت التهاني والأفراح بالقلعة ودور الأمواء وَأهل الدولة وَنُودِيَ بالأمان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان فسر النَّاس فِي هَذَا الْيَوْم مَسَرَّة كَبِيرَة جدا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: خلع السُّلْطَان على الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر خلعة الدولة خلعة الِاسْتِمْرَار. واستدعى كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز صَاحب ديوَان الجيوش وَاسْتقر بِهِ فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري. وخلع على الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبى الْفرج وَاسْتقر بِهِ فِي الوزارة وَنظر الْخَاص. وَخرج الْبَرِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بإحضار الْأُمَرَاء المسجونين بهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>