السُّلْطَان الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب سادس مُلُوك مصر من الأيوبيين اسْتَقل بمملكة مصر بعد موت أَبِيه بعهده إِلَيْهِ فِي حَيَاته وَكَانَت سلطنته بعد السَّابِع من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة عِنْدَمَا وصل إِلَيْهِ نعي أَبِيه وَهُوَ بالمنزلة العادلية على محاربة الفرنج وَقد ملكوا الْبر الغربي واستولوا على برج السلسلة وَقَطعُوا السلَاسِل الْمُتَّصِلَة بِهِ لتعبر مراكبهم فِي بَحر النّيل ويتمكنوا من أَرض مصر فنصب الْملك الْكَامِل عوضا من السلَاسِل جِسْرًا عَظِيما يمْنَع الفرنج من عبور النّيل فقاتل الفرنج عَلَيْهِ قتالا كثيرا حَتَّى قطعوه وَكَانَ قد أنْفق على هَذَا البرج والجسر مَا ينيف على سبعين ألف دِينَار فَأمر الْكَامِل بتغريق عدَّة من المراكب فِي النّيل منعت الفرنج من سلوكه فَعدل الفرنج إِلَى خليج هُنَاكَ يعرف بالأزرق كَانَ النّيل يجرى فِيهِ قَدِيما فحفروه حفرا عميقا وأجروا فِيهِ المَاء إِلَى الْبَحْر الْملح فجرت سفنهم فِيهِ إِلَى نَاحيَة بورة على أَرض جيزة دمياط تجاه الْمنزلَة الَّتِي فِيهَا الْكَامِل ليقاتلوه من هُنَاكَ فَلَمَّا استقروا فِي بورة حاذوه وقاتلوه فِي المَاء وزحفوا إِلَيْهِ غير مرّة فَلم ينالوا مِنْهُ غَرضا طائلا وَلم يضر أهل دمياط ذَلِك لتواصل الأمداد والميرة إِلَيْهِم وَكَون النّيل يحجز بَينهم وَبَين الفرنج بِحَيْثُ كَانَت أَبْوَاب الْمَدِينَة مفتحة وَلَيْسَ عَلَيْهَا حصر وَلَا ضيق أَلْبَتَّة. هَذَا والعربان تخطف الفرنج فِي كل لَيْلَة بِحَيْثُ مَنعهم ذَلِك من الرقاد خوفًا من غاراتهم فتكالب الْعَرَب عَلَيْهِم حَتَّى صَارُوا يختطفونهم نَهَارا وَيَأْخُذُونَ الخيم بِمن فِيهَا فأكمن لَهُم الفرنج عدَّة كمناء وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا وَأدْركَ النَّاس الشتَاء فهاج الْبَحْر على معسكر الْمُسلمين وغرق الخيم فَعظم الْبلَاء وَاشْتَدَّ الكرب وألح الفرنج فِي الْقِتَال وَلم يبْق إِلَّا أَن يملكُوا الْبِلَاد فَأرْسل الله سُبْحَانَهُ ريحًا قطعت مراسي مرمة كَانَت للفرنج من عجائب الدُّنْيَا فمرت تِلْكَ المرمة إِلَى الْبر الَّذِي فِيهِ الْمُسلمُونَ فملكوها فَإِذا هِيَ مصفحة بالحديد لَا تعْمل فِيهَا النَّار ومساحتها خَمْسمِائَة ذِرَاع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute