الْبَلَد فَمَال أَصْحَاب تمر عَلَيْهِنَّ وربطوهن بالحبال وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الْأَطْفَال فَقَتَلُوهُمْ بأجمعهم وَأَتَتْ النَّار على عَامَّة الْمَدِينَة فأحرقتها. وَصَارَت الْأَبْكَار تفتض من غير تستر وَلَا احتشام بل يَأْخُذ الْوَاحِد الْوَاحِدَة ويعلوها فِي الْمَسْجِد وَالْجَامِع بِحَضْرَة الجم الْغَفِير من أَصْحَابه وَمن أهل حلب فيراها أَبوهَا وأخوها وَلَا يقدر أَن يدْفع عَنْهَا لشغله بِنَفسِهِ. وفحش الْقَتْل وامتلأ الْجَامِع والطرقات برمم الْقَتْلَى وَاسْتمرّ هَذَا الْخطب من صحوة نَهَار السبت إِلَى أثْنَاء يَوْم الثُّلَاثَاء والقلعة قد نقب عَلَيْهَا من عدَّة أَمَاكِن وردم خندقها وَلم يبْق إِلَّا أَن تُؤْخَذ. فَطلب النواب الْأمان وَنزل دمرداش إِلَى تمرلنك فَخلع عَلَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ أَمَانًا وخلعاً للنواب وَبعث مَعَه عدَّة وافرة إِلَى النواب فأخرجوهم. مِمَّن مَعَهم وَجعلُوا كل اثْنَيْنِ فِي قيد وأحضروا إِلَيْهِ فقرعهم ووبخهم وَدفع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى من يحْتَفظ بِهِ. وسيقت إِلَيْهِ نسَاء حلب سَبَايَا. وأحضرت إِلَيْهِ الْأَمْوَال ففرقها على أمرائه. وَاسْتمرّ بحلب شهرا. والنهب فِي الْقرى لَا يبطل مَعَ قطع الْأَشْجَار وَهدم الْبيُوت وجافت حلب وظواهرها من الْقَتْلَى بِحَيْثُ صَارَت الأَرْض مِنْهُم فراشا لَا يجد أحد مَكَانا يمشي عَلَيْهِ إِلَّا وَتَحْت رجلَيْهِ رمة قَتِيل. وَعمل من الروس مَنَابِر عدَّة مُرْتَفعَة فِي السَّمَاء نَحْو عشرَة أَذْرع فِي دور عشْرين ذِرَاعا حرز مَا فِيهَا من رُءُوس بني آدم فَكَانَ زِيَادَة على عشْرين ألف رَأس. وَجعلت الْوُجُوه بارزة يَرَاهَا من يمر بهَا. ثمَّ رَحل تمر عَنْهَا وَهِي خاوية على عروشها خَالِيَة من ساكنها وأنيسها قد تعطلت من الْأَذَان وَإِقَامَة الصَّلَوَات. وأصبحت مظْلمَة بالحريق موحشة قفراء مغبرة لَا يَأْوِيهَا إِلَّا الرخم. وَأما دمشق فَأَنَّهُ لما قدم عَلَيْهِم الْخَبَر بِأخذ حلب نُودي فِي النَّاس بالتحول إِلَى الْمَدِينَة والاستعداد لِلْعَدو فاختبط النَّاس وَعظم ضجيجهم وبكاؤهم وَأخذُوا ينتقلون فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء نصفه من حوالي الْمَدِينَة إِلَى داخلها. وَاجْتمعَ الْأَعْيَان للنَّظَر فِي حفظ الْمَدِينَة. فَقدم فِي سَابِع عشره المنهزمون من حماه فَعظم الْخَوْف وهم النَّاس بالجلاء فمنعوا مِنْهُ وَنُودِيَ من سَافر نهب. فورد فِي ثامن عشره الْخَبَر بنزول طَائِفَة من الْعَدو على حماه فحصنت مَدِينَة دمشق ووقف النَّاس على الأسوار وَقد اسْتَعدوا ونصبت المناجنيق على القلعة وشحنت بالزاد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute