للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادسه: سَار السُّلْطَان من دمشق وَنزل بَرزَة ثمَّ رَحل بعسكره يُرِيد محاربة الأميرين شيخ ونوروز وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِمَا من الْأُمَرَاء المصريين وَمن مَعَهم. فَنزل حسيا بِالْقربِ من حمص فَبَلغهُ رحيل الْقَوْم من قارا إِلَى جِهَة بعلبك فَترك أثقاله بحسيا. وَسَار فِي أَثَرهم إِلَى بعلبك وَقد توجهوا إِلَى الْبِقَاع فقصدهم فَمَضَوْا نَحْو الصبيبة وَهُوَ يتبعهُم حَتَّى نزلُوا باللجون فَأَشَارَ عَلَيْهِ كَاتب سره فتح الله أَن يعود إِلَى دمشق وَلَا يتَوَجَّه إِلَى اللجون فَإِذا اسْتَقر بِدِمَشْق تخير لنَفسِهِ إِمَّا أَن يبْعَث إِلَيْهِم عسكراً أَو يصفح عَنْهُم ويوليهم أَمَاكِن أَو يرِيح عساكره وَيخرج إِلَيْهِم فَمَال إِلَى قَوْله وَكَاد أَن يعود فَخَلا بِهِ شياطينه - أقبغا النظامي أحد الدوادارية وألطنبغا شقل وأضرابهما من الْفجار المفسدين - وقبحوا هَذَا الرَّأْي وشجعوه على الْمسير إِلَى أعدائه وَأَنه عِنْدَمَا يلقاهم يَأْخُذهُمْ عَن آخِرهم أخذا بِالْيَدِ فَإِنَّهُم كلهم فِي قَبضته ورموا عِنْده فتح الله بِأَنَّهُ مَا قَالَ هَذَا وَلَا أَشَارَ بِهِ إِلَّا وهواه مَعَ الْقَوْم. وَكَانَ النَّاصِر يمِيل مَعَ من يستميله ويؤثر فِيهِ قَول كل قَائِل فانفعل لهَذَا واستدعى فتح الله وأوسعه سباً وملأ آذانه توبيخاً وتهديداً بِحَضْرَة الْمَلأ ورماه بِأَنَّهُ مَعَ أعدائه عَلَيْهِ فَخرج وَقد اشْتَدَّ غيظه وغضبه وملئ حنقاً وحقداً. وَركب السُّلْطَان من سَاعَته وَسَاقه وَهُوَ ثمل فَمَا وصل إِلَى اللجون حَتَّى تقطعت عساكره من شدَّة السُّوق وَلم يبْق مَعَه غير من ثَبت وهم أقل مِمَّن تَأَخّر وَكَانَ قد دخل وَقت الْعَصْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره وَالْقَوْم قد نزلُوا قبله وأراحوا وَفِي ظنهم أَنه يتمهل ليلته ويلقاهم من الْغَد فَإِذا جنهم اللَّيْل سَارُوا بأجمعهم من وَادي عارة إِلَى جِهَة الرملة وسلكوا الْبر عائدين إِلَى حلب وَلَيْسَ فِي عزمهم أَن يقاتلوه أبدا خوفًا مِنْهُ وعجزاً عَنهُ. فَلَمَّا أَرَادَ الله سُبْحَانَهُ لم يتمهل وَحمل بِنَفسِهِ من فوره - حَال وُصُوله - واقتحم عَلَيْهِم فارتطمت طَائِفَة مِمَّن مَعَه فِي وَحل كَانَ هُنَاكَ من سيل عَظِيم حصل عَن قريب. وخامر مَعَ ذَلِك عَلَيْهِ طَائِفَة أُخْرَى ومضوا إِلَى الْقَوْم فقووا. وَثَبت السُّلْطَان فِي حماته وثقاته فَقتل الْأَمِير مقبل الرُّومِي أحد أُمَرَاء الألوف وَزوج ابْنة الْملك الظَّاهِر الَّتِي كَانَت تَحت الْأَمِير نوروز وَتركهَا عِنْد خُرُوجه من مصر فَأَنْكحهَا السُّلْطَان قبل هَذَا بِعقد ملفق لَا يعبأ الله بِهِ وَقتل أَيْضا أحد رُءُوس الْفِتْنَة ألطنبغا شقل. وَانْهَزَمَ السُّلْطَان وَقد جرح فِي عدَّة مَوَاضِع وَنَجَا بِنَفسِهِ وَهُوَ يُرِيد دمشق ليَكُون بهَا مصرعه. وَفَاته الرَّأْي أخيراً كَمَا فَاتَهُ أَولا فَلم يتَوَجَّه إِلَى مصر وَعدل عَنْهَا ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. وأحاط الْقَوْم بالخليفة المستعين بِاللَّه وَكَاتب السِّرّ فتح الله وناظر الْخَاص تَقِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>