فَلَمَّا رأى عجزهم وانقطاعهم قَالَ: أقِيمُوا الْخَلِيفَة يتحدث وَقومُوا مَعَه فَإِن أحدا لَا يتجاسر عَلَيْهِ. فَقَالَا لَهُ: أَو يرضى بذلك. قَالَ: أَنا أرضيه. وَقَامَ عَنْهُمَا إِلَى الْخَلِيفَة فَذكر لَهُ شَيْئا من هَذَا فَأبى أَن يقبل وَفرق من النَّاصِر فرقا شَدِيدا وَخَافَ أَلا يتم لَهُ هَذَا الْأَمر فَيهْلك وصمم على الِامْتِنَاع وَفتح الله يلح عَلَيْهِ لما دَاخل قلبه من خوف النَّاصِر والحقد عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى أَن الْخَلِيفَة لَا يُوَافقهُ على الْقيام بِالْأَمر دبر عَلَيْهِ حِيلَة يَقُودهُ بهَا لما يُرِيد مِنْهُ وَهُوَ أَنه حسن للأمير شيخ حَتَّى أَمر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مبارك شاه الطازي أَخا الْخَلِيفَة لأمه فَركب وَمَعَهُ ورقة تَتَضَمَّن أسطراً عديدة فِيهَا مثالب النَّاصِر ومعايبه وَأَن الْخَلِيفَة قد خلعه من الْملك وعزله من السلطة وَلَا يحل لأحد معاونته وَلَا مساعدته فَإِنَّهُ الكذا الكذا. فَلَمَّا بلغ الْخَلِيفَة هَذَا سقط فِي يَده وأيس من انصلاح النَّاصِر لَهُ وَأَرَادَ أَن يبْقى لَهُ حِيلَة مَعَ الْأُمَرَاء يعِيش بهَا حينا من الدَّهْر فِي رحيله مَعَهم وَفِي ظَنّه وَظن غَيره عجز الْأُمَرَاء عَن النَّاصِر فأذعن حِينَئِذٍ لَهُم أَن يقوم بِالْأَمر فَبَايعُوهُ بأجمعهم وأطبقوا كلهم على يَده يعطوه صَفْقَة أَيْمَانهم وحلفوا لَهُ على الْوَفَاء بتبعيته ونصبوا لَهُ كرسياً خَارج بَاب الدَّار تجاه جَامع كريم الدّين. وَجلسَ فَوْقه وَعَلِيهِ سوَاده الَّذِي أَخَذُوهُ من الْجَامِع وَهُوَ بِثِيَاب الْخطب عِنْد خطبَته للْجُمُعَة. ووقفوا بَين يَدَيْهِ على قدر مَنَازِلهمْ مَا عدا الْأَمِير نوروز فَإِنَّهُ لم يحضر لاشتغاله بِحِفْظ الْجِهَة الَّتِي هُوَ بهَا. ثمَّ قبلوا الأَرْض بَين يَدَيْهِ على الْعَادة وَتقدم الْأَمِير بكتمر جلق فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة الشَّام وخلع على الْأَمِير قرقماس ابْن أخي دمرداش وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة حلب. وخلع على الْأَمِير سودن الجلب وَاسْتقر بِهِ فِي نِيَابَة طرابلس. ثمَّ ركب أَمِير الْمُؤمنِينَ والأمراء ونادي مُنَاد أَلا إِن النَّاصِر فرج بن برقوق قد خلع من السلطنة فَلَا يحل لأحد مساعدته وَمن حضر إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ من جماعته فَهُوَ آمن وأمدكم إِلَى يَوْم الْخَمِيس فِي كَلَام كَبِير من هَذَا المعني قد رتب. وَسَار أَمِير الْمُؤمنِينَ بعساكره من تجاه جَامع كريم الدّين إِلَى قرب الْمصلى ثمَّ عَاد وَأمر فَنُوديَ بذلك أَيْضا فِي النَّاحِيَة الشرقية من دمشق. فتفخذ النَّاس عَن النَّاصِر وصاروا حزبين حزب يرى أَن مُخَالفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ كفر وَأَن النَّاصِر قد انْعَزل من الْملك فَمن قَاتل مَعَه فقد عصى الله وَرَسُوله وَمِنْهُم من يرى أَن الْقِتَال مَعَه وَاجِب وَمن قَاتله فَإِنَّمَا هُوَ بَاغ عَلَيْهِ. وَكثر النَّاس فِي ذَلِك. وَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أُمَرَاء مصر باجتماع الْكَلِمَة على إِقَامَته وَأَنه خلع النَّاصِر وَقد أبطل المكوس والمظالم. وَبعث بذلك على يَد الْأَمِير كزل العجمي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute