فِيهِ وَأصْبح كثير من النَّاس صياما فصاموا يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْخَمِيس وَبَطل كثير من الباعة بيع الأقوات فِي أول النَّهَار كَمَا هِيَ الْعَادة فِي أول شهر رَمَضَان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: نُودي فِي النَّاس بالمضي إِلَى الصَّحرَاء من الْغَد وَأَن يخرج الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء ومشايخ الخوانك وصوفيتها وَعَامة النَّاس وَنزل الْوَزير الصاحب بدر الدّين بن نصر الله والأمير التَّاج الأستادار بالصحبة إِلَى تربة الْملك الظَّاهِر برقوق ونصبوا المطابخ بالحوش القبلي مِنْهَا وأحضروا الأغنام والأبقار وَبَاتُوا هُنَاكَ فِي تهيئة الْأَطْعِمَة والأخباز ثمَّ ركب السُّلْطَان بَعْدَمَا صلى صَلَاة الصُّبْح وَنزل من قلعة الْجَبَل وَهُوَ لابس الصُّوف وعَلى كَتفيهِ مئزر صوف مسدل كَهَيئَةِ الصُّوفِيَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة صَغِيرَة جدا لَهَا عذبة مرخاة من بَين لحيته وكتفه الْأَيْسَر وَهُوَ بتخشع وانكسار وفرسه بقماش ساذج لَيْسَ فِيهِ ذهب وَلَا حَرِير وَقد أقبل النَّاس أَفْوَاجًا. وَسَار شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين البُلْقِينِيّ من منزله مَاشِيا فِي عَالم كَبِير وَسَار مُعظم الْأَعْيَان من مَنَازِلهمْ مَا بَين ماش وراكب حَتَّى وافوا السُّلْطَان بالصحراء قَرِيبا من قبَّة النَّصْر وَمَعَهُمْ الْأَعْلَام والمصاحف وَلَهُم بِذكر الله تَعَالَى أصوات مُرْتَفعَة فَنزل السُّلْطَان عَن فرسه وَقَامَ على قَدَمَيْهِ وَعَن يَمِينه وشماله الْقُضَاة والخليفة وَأهل الْعلم وَمن بَين يَدَيْهِ وَخَلفه طوائف لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا سُبْحَانَهُ فَبسط يَدَيْهِ ودعا الله وَهُوَ يبكي وينتحب والجم الْغَفِير يرَاهُ ويشهده زَمَانا طَويلا ثمَّ ركب يُرِيد الحوش من التربة الظَّاهِرِيَّة وَالنَّاس فِي قدمه وَبَين يَدَيْهِ حَتَّى نزل وَأكل مَا تهَيَّأ وَذبح بِيَدِهِ قرباناً قربَة إِلَى الله مائَة وَخمسين كَبْشًا سميناً من أَثمَان خَمْسَة دَنَانِير الْوَاحِد ثمَّ ذبح عشر بقرات سمان وجاموستين وجملين وَهُوَ يبكي ودموعه تنحدر - بِحَضْرَة الْمَلأ - على لحيته ثمَّ ترك القرابين على مضاجعها كَمَا هِيَ وَركب إِلَى القلعة فَتَوَلّى الْوَزير والتاج تفرقتها صحاحاً على الْجَوَامِع الْمَشْهُورَة والخوانك وقبة الإِمَام الشَّافِعِي وتربة اللَّيْث بن سعد ومشهد السيدة نفيسة وعدة من الزوايا حملت إِلَيْهَا صحاحاً وَقطع مِنْهَا عدَّة بالحوش فرقت لَحْمًا على الْفُقَرَاء وَفرق من الْخبز النقي يَوْمئِذٍ عدَّة ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف رغيف تنَاولهَا الْفُقَرَاء من يَد الْوَزير وَبعث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute