ركب الرِّجَال السُّور. ورموا بِالْحِجَارَةِ فتراجع الْعَسْكَر الْمصْرِيّ والشامي عَنْهُم ثمَّ ركبُوا بأجمعهم بعد نصف النَّهَار وَأَرْسلُوا إِلَى أهل قلعة الرها بتأمينهم وَإِن لم تكفوا عَن الْقِتَال وَإِلَّا أخربنا الْمَدِينَة. فَجعلُوا الْجَواب رميهم بالنشاب فزحف الْعَسْكَر وَأخذُوا الْمَدِينَة فِي لَحْظَة وَامْتنع الأكابر وَأهل الْقُوَّة بالقلعة. فانتشر الْعَسْكَر وأتباعهم فِي الْمَدِينَة ينهبون مَا وجدوا وَيَأْسِرُونَ من ظفروا بِهِ فَمَا تركُوا قبيحاً حَتَّى أَتَوْهُ وَلَا أمرا مستشنعاً إِلَّا فَعَلُوهُ. وَكَانَ فعلهم هَذَا كَفعل أَصْحَاب تيمور لما أخذُوا بِلَاد الشَّام. وَأَصْبحُوا يَوْم السبت محاصرين القلعة وبعثوا إِلَى مَا فِيهَا بالأمان فَلم يقبلُوا ورموا بالنشاب وَالْحِجَارَة حَتَّى لم يقدر أحد على أَن يدنو مِنْهَا. وَبَاتُوا لَيْلَة الْأَحَد فِي أَعمال النقوب على القلعة وقاتلوا من الْغَد يَوْم الْأَحَد حَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى فَلم يثبت من بالقلعة وصاحوا الْأمان. فكفوا عَن قِتَالهمْ حَتَّى أَتَت رسلهم الْأَمِير نَائِب الشَّام وَقدم مقدم العساكر فَحلف لَهُم - هُوَ والأمير قصروه نَائِب حلب - على أَنهم لَا يؤذوهم وَلَا يقتلُون أحد مِنْهُم فركنوا إِلَى أَيْمَانهم. وَنزل الْأَمِير هابيل بن قرا يلك وَمَعَهُ تِسْعَة من أَعْيَان دولته عِنْد دُخُول وَقت الظّهْر من يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور فتسلمه الْأَمِير أركماس الدوادار وَتقدم نواب المماليك إِلَى القلعة ليتسلموها فوجدوا المماليك السُّلْطَانِيَّة قد وقفُوا على بَاب القلعة ليدخلوا إِلَيْهَا فمنعوهم فأفحشوا فِي الرَّد على النواب وهموا بمقاتلتهم وهجموا القلعة فَلم تطق النواب مَنعهم وَرَجَعُوا إِلَى مخيماتهم فَمد المماليك أَيْديهم وَمن تَبِعَهُمْ من التركمان والعربان والغلمان ونهبوا جَمِيع مَا كَانَ بهَا وأسروا النِّسَاء وَالصبيان وألقوا فِيهَا النَّار فأحرقوها بعد مَا أخلوها من كل صَامت وناطق وَبعد مَا أَسْرفُوا فِي قتل من كَانَ بهَا وبالمدينة حَتَّى تجاوزوا الْحَد وخربوا الْمَدِينَة وألقوا النَّار فِيهَا فاحترقت. وَلَقَد أَخْبرنِي من لَا أَتَّهِمهُ أَنه شَاهد المماليك وَقد أخذُوا النِّسَاء وفجروا بِهن فَكَانَت الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ إِذا قَامَت من تَحت وَاحِد مِنْهُم مَضَت - إِن كَانَ لَهَا ولد - هِيَ وَوَلدهَا إِلَى مَوضِع كَانَ بِهِ تبن لتختفي فِيهِ. قَالَ فَاجْتمع بذلك الْموضع نَحْو الثَّمَانِينَ امْرَأَة ومعهن أَو مَعَ غالبهن أَوْلَادهنَّ وَقد زنوا بِهن جَمِيعًا ثمَّ أضرموا النَّار عَلَيْهِنَّ فاشتعل التِّبْن فاحترقن جَمِيعًا. وَأَخْبرنِي الثِّقَة أَنه كَانَ يدوس فِي الْمَدِينَة الْقَتْلَى لكثرتهم بهَا وَأَنه كَاد المَاء الَّذِي لَهُم أَن يمتلئ بجيف الْقَتْلَى. ثمَّ رحلوا من الْغَد يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وأيديهم قد امْتَلَأت بالنهوب والسبي فتقطعت مِنْهُم عدَّة نسَاء من التَّعَب فمتن عطشاً وبيعت مِنْهُنَّ بحلب وَغَيرهَا عدَّة. وَكَانَت هَذِه الكائنة من مصائب الدَّهْر. وَكُنَّا نستطيب إِذا مرضنا فجَاء الدَّاء من قبل الطَّبِيب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute