وَفِي الْعشْر الْأُخَر من هَذَا الشَّهْر: وجد بالنيل والبرك الَّتِي بَين الْقَاهِرَة ومصر كثير من السّمك والتماسيح قد طفت على وَجه المَاء ميتَة واصطيدت بنية كَبِيرَة فَإِذا هِيَ كإنما صبغت بِدَم من شدَّة حمرتها. وَوجد فِي الْبَريَّة مَا بَين السويس والقاهرة عدَّة كَثِيرَة من الظباء والدياب موتى. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بِبِلَاد الفرنج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: ضبطت عدَّة الْأَمْوَات الَّتِي صلي عَلَيْهَا فبلغت أَلفَيْنِ وَمِائَة وَلم يُورد فِي أوراق الدِّيوَان سوى أَرْبَعمِائَة ونيف. وَفِيه مَاتَ ببولاق سَبْعُونَ لم يُورد مِنْهُم سوى اثْنَي عشر. وشنع الموتان حَتَّى أَن ثَمَانِيَة عشر من صيادي السّمك كَانُوا فِي مَوضِع فَمَاتَ مِنْهُم فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعَة عشر وَمضى الْأَرْبَعَة ليجهزوهم إِلَى الْقُبُور فَمَاتَ مِنْهُم وهم مشَاة ثَلَاثَة فَقَامَ الْوَاحِد بشأن السَّبْعَة عشر حَتَّى وصل بهم إِلَى الْمقْبرَة مَاتَ أَيْضا. وَركب أَرْبَعُونَ رجلا فِي مركب وَسَارُوا من مَدِينَة مصر نَحْو بِلَاد الصَّعِيد فماتوا بأجمعهم قبل وصولهم الميمون. وَمَرَّتْ امْرَأَة من مصر تُرِيدُ الْقَاهِرَة وَهِي راكبة على حمَار مكاري فَمَاتَتْ وَهِي راكبة وَصَارَت ملقاة بِالطَّرِيقِ يَوْمهَا كُله حَتَّى بَدَأَ تغير رِيحهَا فدفنت وَلم يعرف لَهَا أهل. وَكَانَ الْإِنْسَان إِذا مَاتَ تغير رِيحه سَرِيعا مَعَ شدَّة برد الزَّمَان. وشنع الْمَوْت بخانكاه سريا قَوس حَتَّى بلغت الْعدة فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَكثر أَيْضا بالمنوفية والقليوبية حَتَّى كَاد يَمُوت فِي الْكفْر الْوَاحِد فِي كل يَوْم سِتّمائَة إِنْسَان. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ تزايدت عدَّة الْأَمْوَات عَمَّا كَانَت فأحصي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه من أخرج من أَبْوَاب الْقَاهِرَة فبلغت عدتهمْ ألفا ومائتي ميت سوى من خرج عَن الْقَاهِرَة من أهل الحكورة والحسينية وبولاق والصليبة ومدينة مصر والقرافتين والصحراء وهم أَكثر من ذَلِك. وَلم يُورد بديوان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ سوى ثَلَاثمِائَة وَتِسْعين وَذَلِكَ أَن أُنَاسًا عمِلُوا توابيت للسبيل فَصَارَ أَكثر النَّاس يحملون موتاهم عَلَيْهَا وَلَا يردون الدِّيوَان أَسْمَاءَهُم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفَعت أسعار الثِّيَاب الَّتِي تكفن بهَا الْأَمْوَات وارتفع سعر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ المرضى كالسكر وبذر الرجلة والكمثرى على أَن الْقَلِيل من المرضى هُوَ الَّذِي يعالج بالأدوية بل معظمهم يَمُوت موتا وَحيا سَرِيعا فِي سَاعَة وَأَقل مِنْهَا وَعظم الوباء فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة - سكان الطباق بالقلعة - الَّذين كثر فسادهم وشرهم وَعظم عتوهم وضرهم بِحَيْثُ كَانَ يصبح مِنْهُم أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ مرضى فَيَمُوت فِي الْيَوْم زِيَادَة على الْخمسين مَمْلُوكا وشنع الْمَوْت. بِمَدِينَة فوه ومدينة بليبس وَوَقع بِبِلَاد الصَّعِيد الْأَدْنَى. وَانْقطع الوباء من الْبحيرَة والنحريرية وَكثر بِمَدِينَة الْمحلة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute