كَبِيرَة فِي مرج أغرناطة - وَهِي بلد هَمدَان وبلد أوطورة وبلد دارما - فابتلعت الأَرْض هَذِه الْبِلَاد بأناسها وبقرها وغنمها وَسَائِر مَا فِيهَا حَتَّى صَار من يمر من حولهَا يَقُول كَانَ هُنَا بلد كَذَا وبلد كَذَا وانخسف فِي كثير من الْبِلَاد عدَّة مَوَاضِع وَسقط نصف قلعة أغرناطة وتهدم كثير من الْجَامِع الْأَعْظَم وَسقط أَعلَى منارته ورؤى حَائِط الْجَامِع يرْتَفع ثمَّ يرجع وَمِقْدَار ارتفاعه نَحْو عشرَة أَذْرع ارْتَفع كَذَلِك مرَّتَيْنِ وَخَافَ رجل عِنْد حُدُوث الزلزلة فَأخذ ابْنه وَأَرَادَ أَن يخرج من بَاب دَاره فالتصق جانبا الْبَاب وانفرج الْحَائِط فَخرج من ذَلِك الْفرج هُوَ وَابْنه وَامْرَأَته فَعَاد الْحَائِط كَمَا كَانَ وتراجع جانبا الْبَاب إِلَى حَالهمَا قبل الزلزلة وأقامت الأَرْض بعد ذَلِك نَحْو خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا تهتز حَتَّى خرج النَّاس إِلَى الصَّحرَاء ونزلوا فِي الخيم خوفًا من الْمَدِينَة أَن تسْقط مبانيها عَلَيْهِم وَكَانَ هَذَا كُله بعد وُصُول السُّلْطَان المخلوع أبي عبد الله مُحَمَّد الْأَيْسَر من تونس إِلَى الأندلس وحصره قلعة أغرناطة سَبْعَة أشهر وَقَتله الأجناد وَالرِّجَال حَتَّى فنيت الْعدَد وَالْأَمْوَال فَبلغ ذَلِك ملك قشتالة الفنشي فَجمع عساكره من الفرنج وَركب الْبَحْر إِلَى قرطبة يُرِيد أَخذ أغرناطة من الْمُسلمين فَاشْتَدَّ الْبلَاء عَلَيْهِم لقلَّة المَال بأغرناطة وفناء عسكرها فِي الْفِتْنَة وَمَوْت من هلك فِي الزلزلة وهم زِيَادَة على سِتَّة آلَاف إِنْسَان وَنزل الفرنج عَلَيْهِم فلقوهم فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر رَمَضَان من هَذِه السّنة وقاتلوهم يومهم وَمن الْغَد قتل من الْمُسلمين نَحْو الْخَمْسَة عشر ألف وألجأهم الْعَدو إِلَى دُخُول الْمَدِينَة وعسكر بإزائها على بريد مِنْهَا وهم نَحْو خَمْسمِائَة وَثَمَانِينَ ألف وَقد اشْتَدَّ الطمع فِي أَخذهَا فَبَاتَ الْمُسلمُونَ لَيْلَة الْأَحَد فِي بكاء وتضرع إِلَى الله فَفتح عَلَيْهِم الله تَعَالَى وألهمهم رشدهم وَذَلِكَ أَن الشَّيْخ أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن عمر ابْن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن عبد الْحق - شيخ الْغُزَاة - خرج من مَدِينَة أغرناطة فِي جمع أَلفَيْنِ من الأجناد وَعشْرين ألفا من المطوعة وَسَار نصف اللَّيْل على جبل الفخار. حَتَّى أبعد عَن معسكر الفرنج إِلَى جِهَة بِلَادهمْ وَرفع إِمَارَة فِي الْجبَال يعلم بهَا السُّلْطَان بأغرناطة فَلَمَّا رأى تِلْكَ العلامات من الْغَد خرج يَوْم الْأَحَد بِجَمِيعِ من بَقِي عِنْده إِلَى الفرنج فثاروا لحربهم فولى السُّلْطَان بِمن مَعَه من الْمُسلمين كَأَنَّهُمْ قد انْهَزمُوا والفرنج تتبعهم حَتَّى قاربوا الْمَدِينَة ثمَّ رفعوا الْأَعْلَام الإسلامية فَلَمَّا رَآهَا الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا نزل بِمن مَعَه إِلَى معسكر الفرنج وَأُلْقِي فِيهِ النَّار وَوضع السَّيْف فِيمَن هُنَالك فَقتل وَأسر وسبى فَلم يدع الفرنج إِلَّا والصريخ قد جَاءَهُم وَالنَّار ترْتَفع من معسكرهم فتركوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute