أَن تخرج وَرَاء جنَازَته فمنعت من ذَلِك لِأَن السُّلْطَان رسم أَلا تخرج امْرَأَة من منزلهَا. فشق عَلَيْهَا منعهَا من تشنيع جَنَازَة وَلَدهَا وَأَلْقَتْ نَفسهَا من أَعلَى الدَّار إِلَى الأَرْض فَمَاتَتْ. وَخرجت امْرَأَة أُخْرَى من دارها لأمر مُهِمّ طَرَأَ لَهَا فصدفها دولت خجا متولى الْحِسْبَة فصاح بأعوانه بِأَن يأتوه بهَا ليضربها فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قبضوا عَلَيْهَا إِذْ ذهب عقلهَا وَسَقَطت مغشيًا عَلَيْهَا من شدَّة الْخَوْف فشفع فِيهَا بعض من حضر أَلا يُعَاقِبهَا فَتَركهَا وَانْصَرف عَنْهَا. فَحملت إِلَى دارها وَقد إختلت وَفَسَد عقلهَا فمرضت مَعَ ذَلِك مدهْ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: إتفقت حادثه لم ندرك مثلهَا وَهُوَ أَن الْخَطِيب بالجامع الْأَزْهَر رقي الْمِنْبَر فَخَطب وأسمع النَّاس الْخطْبَة وَأَنا فيهم حَتَّى أتمهَا على الْعَادة. وَجلسَ للإستراحة بَين الْخطْبَتَيْنِ فَلم يقم حَتَّى طَال جُلُوسه. ثمَّ قَامَ وَجلسَ سَرِيعا وإستند إِلَى جَانب الْمِنْبَر سَاعَة قدر مَا يقْرَأ القارىء ربع حزب من الْقُرْآن وَالنَّاس فِي إنتظار قِيَامه وَإِذا بِرَجُل من الْحَاضِرين يَقُول: مَاتَ الْخَطِيب. فإرتج الْجَامِع وضج النَّاس وضربوا أَيْديهم بَعْضهَا على بعض أسفا وحزلًا وأخذنى الْبكاء وَقد إختلت الصُّفُوف وَقَامَ كثير من النَّاس يُرِيدُونَ الْمِنْبَر فَقَامَ الْخطب على قَدَمَيْهِ وَنزل عَن الْمِنْبَر فَدخل الْمِحْرَاب وَصلى من غير أَن يجْهر بِالْقِرَاءَةِ وأوجز فِي صلَاته حَتَّى أتم الرَّكْعَتَيْنِ وقدمت عدَّة جنائز فَلم أدر من صلى بِنَا عَلَيْهَا. وَإِذا بِالنَّاسِ فِي حَرَكَة وإضطراب وعدة مِنْهُم يجهرون بِأَن الْجُمُعَة مَا صحت. وَتقدم رجل فَأَقَامَ وَصلى الظّهْر أَرْبعا وَجَمَاعَة يأتمون بِهِ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قضي هَؤُلَاءِ صلَاتهم إِذا بِجَمَاعَة أخر قد وَثبُوا وَأمرُوا فَأذن المؤذنين على سدة المؤذنين بَين يدى الْمِنْبَر ورقي رجل الْمِنْبَر فَخَطب خطبتين وَنزل ليصلى فمنعوه من التَّقَدُّم إِلَى الْمِحْرَاب وَأتوا بِإِمَام الْخمس فقدموه حَتَّى صلى بِالنَّاسِ جُمُعَة ثَانِيَة. فَلَمَّا إنقضت صلَاته بِالنَّاسِ ثار آخَرُونَ وصاحوا بِأَن هَذِه الْجُمُعَة الثَّانِيَة لم تصح وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَصلى بهم رجل صَلَاة الظّهْر أَربع رَكْعَات وَكَانَ فِي هَذَا الْيَوْم بالجامع الْأَزْهَر إِقَامَة خطبتين وَصَلَاة الْجُمُعَة مرَّتَيْنِ وَصَلَاة الظّهْر مرَّتَيْنِ وإنصرف النَّاس وكل طَائِفَة تخطىء الْأُخْرَى وَتَطير كثير مِنْهُم على السُّلْطَان بزواله من أجل إِقَامَة خطتين فِي مَوضِع وَاحِد هَذَا وَقد كَانَ النَّاس عِنْدَمَا قيل: مَاتَ الْخَطِيب قد ملكهم الْوَهم فأرعد بَعضهم وَبكى جمَاعَة مِنْهُم ودهش آخَرُونَ. وهبت عِنْد ذَلِك ريح بَارِدَة فظنوا أَنهم جَمِيعًا ميتون حَتَّى أَنه لَو قدر الله موت الْخَطِيب على الْمِنْبَر لهلك جمَاعَة من الْوَهم. وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تزايد بالسلطان مَرضه. ومنذ إبتدأ بِهِ الْمَرَض وَهُوَ أَخذ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute