وَمن أعجب مَا وَقع فِي هَذِه الْأَيَّام أَن رجلا نَادَى على قبَاء فِي عدَّة أسواق فَلم يجد من يَشْتَرِيهِ لكساد الْأَسْوَاق. وَكَانَ سوق الرَّقِيق قد أغلق وتعطل بيع الرَّقِيق فِيهِ لِكَثْرَة من يَمُوت مِنْهُم فإحتاج رجل إِلَى بيع عبد لَهُ فَأَخذه بِيَدِهِ وَصَارَ يُنَادى عَلَيْهِ فِي شَارِع الْقَاهِرَة: من يشترى هَذَا العَبْد فَلم يجبهُ أحد مَعَ كَثْرَة النَّاس بالشارع وَإِنَّمَا تركُوا شِرَاءَهُ خوفًا من سرعَة مَوته بالطاعون. وَفِي حادى عشرَة: رَحل الْأُمَرَاء المجردون من أبلستين وَمَعَهُمْ نواب الشَّام وعساكرها من غَزَّة إِلَى الْفُرَات وَجَمِيع تركمان الطَّاعَة وتوجهوا فِي جمع كَبِير يُرِيدُونَ مَدِينَة آقشهر حَتَّى نزلُوا عَلَيْهَا وحصروها. وَمن يَوْم السبت خَامِس عشرَة: إشتد مرض السُّلْطَان ثمَّ حجب عَن النَّاس فَلم يدْخل إِلَيْهِ أحد من الْأُمَرَاء والمباشرين عدَّة أَيَّام سوى الْأَمِير أينال شاد الشربخاناه والأمير على بيه والأمير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار والأمير جَوْهَر الزِّمَام. فَإِذا صعد القاضى زين الدّين عبد الباسط والمباشرون إِلَى القلعة أعلمهم هَؤُلَاءِ بِحَال السُّلْطَان. هَذَا والإرجاف يقوى والأمراء والمماليك السُّلْطَانِيَّة فِي حَرَكَة وَقد صَارُوا فرقا مُخْتَلفَة الآراء. وَالنَّاس على تخوف من وُقُوع الْحَرْب وَقد وزعوا فِي دُورهمْ وأخفى أهل الدولة أَوْلَادهم ونساءهم خوفًا من النهب وَأهل النواحى بالصعيد وَالْوَجْه البحرى قد نجم النِّفَاق فيهم وخيفت السبل شامًا ومصراً. وَقد تناقصت عدَّة الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ ومصر مُنْذُ أهل هَذَا الشَّهْر كَمَا تقدم. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: هجم على الْمَسْجِد على الْحَرَام بِمَكَّة سيل عَظِيم مَلأ الْحرم من غير تقدم مطر بِمَكَّة. شهر ذى الْحجَّة أهل بِيَوْم الْإِثْنَيْنِ:. وَالنَّاس بديار مصر من قلَّة الخدم فِي عناء وَجهد فَإِنَّهُ مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَمَا بَينهمَا فِي مُدَّة شهر رَمَضَان وشوال وذى الْقعدَة زِيَادَة على مائَة ألف إِنْسَان معظمهم الْأَطْفَال وَأكْثر الْأَطْفَال الْبَنَات ويلي الْأَطْفَال فِي كَثْرَة من مَاتَ الرَّقِيق وَأكْثر من مَاتَ من الرَّقِيق الْإِمَاء بِحَيْثُ كَادَت الدّور أَن تَخْلُو من الْأَطْفَال وَالْإِمَاء وَالْعَبِيد. وَكَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام بأسرها. وَأما السُّلْطَان فَحدث لَهُ مَعَ سُقُوط شَهْوَة الغدْاء مُدَّة أشهر وَمَعَ إنحطاط قواه مَا ليخوليا فَكثر هذيانه وتخليطه وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى أَضْعَف قوته لما كَانَ يُؤمن مَعَ ذَلِك من إِفْسَاد شىء كثير بِيَدِهِ إِلَّا أَنه فِي أَكثر الْأَوْقَات غَائِب فَإِذا أَفَاق هذى وخلط.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute