السبكى مغالبة فَأحب أَن يكون سكنه بحذاء الْجَامِع فاستأجر قِطْعَة أَرض من زِيَادَة الْجَامِع وَبنى بهَا دَارا بعد سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ فتح مِنْهَا بَاب فِي جِدَار الْجَامِع وَصَارَ يعبر مِنْهُ إِلَى الْجَامِع فِي أَوْقَات الصَّلَوَات وَغَيرهَا ثمَّ خرق فِي جِدَار الْجَامِع طاقات تشرف على الْجَامِع فِي مجْلِس عمله وحفر فِي هَذِه الدَّار صهريجا وَعمل بهَا إصطبلا لدوابه فثار عَلَيْهِ جمَاعَة فَإِنَّهُ كَانَ كثير الْأَعْدَاء وأنكروا عَلَيْهِ ذَلِك فَأخذ خطوط أهل الْعلم بِجَوَاز مَا عمله وَكَانَت لَهُ ولأخصامه بِسَبَب هَذِه الدَّار وقائع كَثِيرَة ومنازعات طَوِيلَة عقد لَهُ وَلَهُم فِيهَا مجَالِس عديدة فِي كل دولة وَهُوَ يستظهر عَلَيْهِم فِيهَا وَكَانَ رَحمَه الله جلدا صبورًا لَا يصد وَلَا يرد فمرت بِهِ من أجلهَا خطوب وكروب حَتَّى مَاتَ. وَقد جعل هَذِه الدَّار وَقفا على أَوْلَاده فَجرى لَهُم بعده بِسَبَبِهَا شرور كَثْرَة ومخاصمات طَوِيلَة والحكام لَا تقدم على هدمها لما بأيدي أَوْلَاد ابْن النقاش من فَتَاوَى شُيُوخ الْعلم وَأَحْكَام الْقُضَاة الَّذين كَانُوا لَا يدرهنون فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الحكم إِلَى أَن أظهر السُّلْطَان الوقيعة فِي أَبى هُرَيْرَة بن النقاش وولديه وَأخرج عَن أَبى الْيُسْر الخطابة ومشيخة الميعاد كَمَا تقدم ذكره. وعزم على هدم هَذِه الدَّار فندب الْقُضَاة غير مرّة للنَّظَر فِي أمرهَا فَلم يتَّجه لَهُم هدمها إِلَى أَن أقدم البساطى على الحكم بذلك فَجمع هُوَ وَبَقِيَّة الْقُضَاة بَين يَدي السُّلْطَان وَقَامَ ولى الدّين مُحَمَّد السفطى وَكيل بَيت المَال وأدعى على أَوْلَاد أَبى هُرَيْرَة عِنْد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد البساطى بِأَن مُدَّة إِجَارَة الأَرْض الحاملة لبِنَاء هَذِه الدَّار قد إنقضت وسإل رفع الْبناء عَنْهَا فَحكم البساطى على أَوْلَاد أَبى هُرَيْرَة بِرَفْع الْبناء الْمَوْقُوف وَنزل حَتَّى حضر هدمهم لَهَا فِي يَوْم الْخَمِيس غده. فَكَانَ هَذَا مَعَ مَا تقدم مِمَّا لم نسْمع بِمثلِهِ غير أَن فِي ذَلِك عِبْرَة لأولى النهى وَذَلِكَ أَن شمس الدّين أَبَا أُمَامَة مُحَمَّد بن النقاش قَامَ على قطب الدّين مُحَمَّد بن الهرماس حَتَّى هدم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن دَاره من أجل أَنه بناها فِي زِيَادَة جَامع الْحَاكِم فَعُوقِبَ بعد نَحْو ثَمَانِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute