وَتوجه إيغان إِلَى درب بساك فَقتلُوا وأسروا وَنزل السُّلْطَان أفامية، ووافاه الْجَمِيع على أنطاكية. وَأصْبح أول شهر رَمَضَان: وَالسُّلْطَان مغير على أنطاكية وأطاقت العساكر بهَا من كل جَانب فتكملوا بخيامهم فِي ثالثه. وَبعث السُّلْطَان إِلَى الفرنج يَدعُوهُم وَيُنْذرهُمْ بالزحف عَلَيْهِم وفاوضهم فِي ذَلِك مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وهم لَا يجيبون فزحف عَلَيْهَا وَقَاتل أَهلهَا قتالا شَدِيدا وتسور الْمُسلمُونَ الأسوار من جِهَة الْجَبَل بِالْقربِ من القلعة ونزلوا الْمَدِينَة ففر أَهلهَا إِلَى القلعة وَوَقع النهب وَالْقَتْل والأسر فِي الْمَدِينَة فَلم يرفع السَّيْف عَن أحد من الرِّجَال وَكَانَ بهَا فَوق الْمِائَة ألف وأحاط الْأُمَرَاء بِأَبْوَاب الْمَدِينَة حَتَّى لَا يفر مِنْهَا أحد وَاجْتمعَ بالقلعة من الْمُقَاتلَة ثَمَانِيَة آلَاف سوي النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فبعثوا يطْلبُونَ الْأمان فَأمنُوا وَصعد السُّلْطَان إِلَيْهِم وَمَعَهُ الحبال فكتفوا وَفرقُوا على الْأُمَرَاء وَالْكتاب بَين يَدي السُّلْطَان ينزلون الْأَسْمَاء. وَكَانَت أنطاكية للبرنس بيموند بن بيموند وَله مَعهَا طرابلس وَهُوَ مُقيم بطرابلس وكتبت البشائر بِالْفَتْح إِلَى الأقطار الشامية والمصرية والفرنجية وَفِي الْجُمْلَة كتاب إِلَى صَاحب أنطاكية وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُقيم بطرابلس وَهُوَ من إنْشَاء ابْن عبد الظَّاهِر رَحمَه الله تعالي. وَسلم السُّلْطَان القلعة إِلَى الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار والأمير بدر الدّين بيسري الشمسي وَأمر بإحضار الْمَغَانِم لتقتسم وَركب وَأبْعد عَن الْخيام وَحمل مَا غنمه وَمَا غنمته مماليكه وخواصه وَقَالَ: وَالله مَا خبأت شَيْئا مِمَّا حمل إِلَى وَلَا خليت مماليكي يخبئون شَيْئا وَلَقَد بَلغنِي أَن غُلَاما لأحد مماليكي خبأ شَيْئا لَا قيمَة لَهُ فأدبته الْأَدَب الْبَالِغ ويتبقى لكل أحد مِنْكُم أَن يخلص ذمَّته وَأَنا أَحْلف الْأُمَرَاء والمقدمين وهم يحلفُونَ أجنادهم ومضافيهم. فأحضر النَّاس الْأَمْوَال والمصاغ الذَّهَب وَالْفِضَّة حَتَّى صَارَت تَلا بهَا وَقسمت فِي النَّاس وَطَالَ الْوَزْن فقسمت النُّقُود بالطاسات وَقسمت الغلمان على النَّاس فَلم يبْق غُلَام إِلَّا وَله غُلَام وتقاسم النِّسَاء وَالْبَنَات والأطفال وأبيع الصَّغِير بِاثْنَيْ عشر درهما وَالْجَارِيَة بِخَمْسَة دَرَاهِم وَأقَام السُّلْطَان يَوْمَيْنِ وَهُوَ يُبَاشر الْقِسْمَة بِنَفسِهِ وَقصر النَّاس فِي إِحْضَار الْغَنَائِم فَعَاد السُّلْطَان مغضبا فَلم تزل الْأُمَرَاء بِهِ يلتزمون بِالِاجْتِهَادِ والاحتراز ويعتذرون إِلَيْهِ حَتَّى وقف على فرسه وَمَا ترك شَيْئا حَتَّى قسمه. ثمَّ ركب السُّلْطَان إِلَى القلعة وأحرقها وَعم بالحريق أنطاكية فَأخذ النَّاس من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute