ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد دبر أُمُوره خُفْيَة من غير أَن يطلع أحد على ذَلِك حَتَّى إِنَّه جهز البشماط والدقيق والروايا والقرب والأشربة والعربان المتوجهين مَعَه والمرتبين فِي الْمنَازل وَلَا يشْعر النَّاس بِشَيْء من ذَلِك فَلَمَّا وصل الكرك وجد الْأُمُور كلهَا مجهزة فَأعْطِي المجردين مَعَه بِقدر الشّعير كفايتهم. وَسَار الثّقل فِي رابعه وتبعهم السُّلْطَان فِي سادسه وَمَعَهُ المجردون فَنزل الشوبك ورسم بإخفاء خَبره وَتوجه فِي حادي عشره وَسَار الْبَرِيد إِلَى مصر فجهزت الْكتب إِلَيْهِ مَعَ العربان من جِهَة الكرك فَكتبت أجوبتها من هُنَاكَ. وَوصل السُّلْطَان إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي خَامِس عشريه فَلم يُقَابله جماز وَلَا مَالك أَمِيرا الْمَدِينَة وفرا مِنْهُ ورحل مِنْهَا فِي سَابِع عشريه وَأحرم فَدخل مَكَّة فِي خَامِس ذِي الْحجَّة وَأعْطِي خواصه جملَة من المَال ليفرقوها سرا وَفرق كساوي على أهل الْحَرَمَيْنِ وَصَارَ كواحد من النَّاس لَا يَحْجُبهُ أحد وَلَا يَحْرُسهُ إِلَّا الله وَهُوَ مُنْفَرد يُصَلِّي وَيَطوف وَيسْعَى وَغسل الْبَيْت وَصَارَ فِي وسط الْخَلَائق وكل من رمي إِلَيْهِ إِحْرَامه غسله وناوله إِيَّاه. وَجلسَ على بَاب الْبَيْت وَأخذ بأيدي النَّاس ليطلعهم إِلَى الْبَيْت فَتعلق بعض الْعَامَّة بإحرامه ليطلع فَقَطعه وَكَاد يَرْمِي السُّلْطَان إِلَى الأَرْض وَهُوَ مستشر بِجَمِيعِ ذَلِك وعلق كسْوَة الْبَيْت بِيَدِهِ وخواصه وَتردد إِلَى من بالحرمين من الصَّالِحين. هَذَا وقاضي الْقُضَاة صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الْحق الْحَنَفِيّ مرافقه طول الطَّرِيق يستفتيه ويتفهم مِنْهُ أَمر دينه وَلم يقفل السُّلْطَان مَعَ ذَلِك تَدْبِير الممالك وَكتاب الْإِنْشَاء تكْتب عَنهُ فِي الْمُهِمَّات وَكتب إِلَى صَاحب الْيمن كتابا يُنكر عَلَيْهِ أمورا وَيَقُول فِيهِ: سطرتها من مَكَّة المشرفة وَقد أخذت طريقها فِي سبع عشرَة خطْوَة يَعْنِي بالخطوة المغزلة وَيَقُول لَهُ: الْملك هُوَ الَّذِي يُجَاهد فِي الله حق جهاده ويبذل نَفسه فِي الذب عَن حوزة الدّين فان كنت ملكا فَأخْرج التتار. وَأحسن السُّلْطَان إِلَى أَمِيري مَكَّة وهما الْأَمِير نجم الدّين أبي نمي والأمير إِدْرِيس بن قَتَادَة وَإِلَى أَمِير يَنْبع وأمير خليص وأكابر الْحجاز وَكتب منشورين لأميري مَكَّة فطلبا مِنْهُ نَائِبا تقَوِّي بِهِ أَنفسهمَا فرتب الْأَمِير شمس الدّين مَرْوَان نَائِب أَمِير جاندار بِمَكَّة يرجع أَمرهمَا إِلَيْهِ وَيكون الْحل وَالْعقد على يَدَيْهِ وَزَاد أَمِيري مَكَّة مَالا وغلالا فِي كل سنة بِسَبَب تسبيل الْبَيْت للنَّاس وَزَاد أُمَرَاء الْحجاز إِلَّا جماز وَمَالك أَمِيرا الْمَدِينَة فَإِنَّهُمَا انتزحا من بَين يَدَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute