وَأما السُّلْطَان فَإِن منكوتمر لم يزل يدبر بشؤم رَأْيه حَتَّى قتل وَذَلِكَ أَن الْأَمِير طغجي قدم من الْحجاز أول صفر وَقد قرر منكوتمر خُرُوجه إِلَى نِيَابَة طرابلس فَلَمَّا استراح من تَعب السّفر استدعاه السُّلْطَان وتلطف بِهِ فِي الْخُرُوج إِلَى طرابلس فَاعْتَذر بِأَنَّهُ لَا يصلح للنيابة. وَقَامَ الْأَمِير طغجي فَأعْلم كرجي وبيبرس الجاشنكير بذلك فاتفقوا على التحدث مَعَ السُّلْطَان فِي صرفه عَن تسفيره ودخلوا عَلَيْهِ وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أَعْفَاهُ. فشق ذَلِك على منكوتمر وَأنكر على كرجي وتجهم لَهُ وَتكلم فِيهِ وَفِي من تحدث مَعَه فِي إعفاء طغجي من السّفر وَبَالغ فِي إهانتهم فحرك ذَلِك من كرجي كوامن كَانَت فِي نَفسه من منكوتمر. وَانْقطع منكوتمر من الْخدمَة حنقاً من إعفاء طغجي فداراه السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن الرُّومِي ليحضره فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى حضر بشريطة أَن يخرج طغجي من مصر ويمسك كرجي أَن يخرج أَيْضا. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك وُصُول قَاصد الْأَمِير قبجق نَائِب دمشق فِي السِّرّ إِلَى طغجي وكرجي بِمَا تقدم ذكره فأوقفوا بيبرس وسلار وَغَيره مِمَّن يثقون بِهِ على ذَلِك وَاتَّفَقُوا على الفتك بالسلطان. وشرعوا فِي السَّعْي بَين الْأُمَرَاء المماليك المنصورية والأشرفية يستميلونهم وَأخذ كرجي يستميل المماليك أَرْبَاب النوب فَإِنَّهُ كَانَ مقدما عَلَيْهِم حَتَّى أحكموا أَمرهم. هَذَا ومنكوتمر مُقيم على إِخْرَاج طغجي وَبعث يَأْمُرهُ أَن يتجهز للسَّفر وَتَمَادَى الْحَال إِلَى يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر. فَفِي ذَلِك الْيَوْم: أصبح السُّلْطَان صَائِما وَأفْطر ثمَّ جلس يلْعَب بالشطرنج وَعِنْده إِمَامه نجم الدّين بن الْعَسَّال وقاضي الْقُضَاة حسام الدّين فَدخل الْأَمِير كرجي على عَادَته وأعلمه بِأَنَّهُ قد بَيت البرجية وَغَيرهم من المماليك فِي أماكنهم وغلق عَلَيْهِم الْأَبْوَاب وَكَانَ قد رتب قبل دُخُوله جمَاعَة فِي أَمَاكِن بالدهاليز فشكره السُّلْطَان وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ لقَاضِي الْقُضَاة: لَوْلَا الْأَمِير سيف الدّين كرجي مَا وصلت إِلَى السلطة. فَقبل كرجي الأَرْض وَجلسَ على عَادَته ثمَّ قَامَ ليصلح الشمعة فأصلحها وَألقى فوطة خدمَة كَانَت بِيَدِهِ على نمجاه السُّلْطَان ليسترها عَنهُ وَكَانَ سلَاح دَار النّوبَة تِلْكَ اللَّيْلَة الْأَمِير سيف الدّين نغاي الكرموني السِّلَاح دَار قد وَافق كرجي على مَا هُوَ فِيهِ. ثمَّ قَالَ كرجي للسُّلْطَان: مَا يُصَلِّي مَوْلَانَا السُّلْطَان الْعشَاء فَقَالَ: نعم وَقَامَ يُرِيد الصَّلَاة فَأخذ السِّلَاح دَار النمجاه من تَحت الفوطة وَعند ذَلِك جرد كرجي سَيْفه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute