حَدثنَا عَليّ بن حُجْر، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن يحيى بن أبي كثير عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونةَ عَن عَطاءِ بن يَسَار عَن أبي سَعِيد الخُدْرِي أَنه قَالَ: جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المِنْبَر وجَلَسْنا حَوْلَه فَقَالَ: (إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم بعدِي مَا يُفْتَح عَلَيْكُم من زهرَة الدُّنْيَا وَزينتهَا) . قَالَ: فَقَالَ رجُلٌ: أَو يَأْتي الخَيْرُ بالشرِّ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: فَسكت عَنهُ رَسُول الله وَرَأَيْنا أَنّه يُنْزَلُ عَلَيْهِ فأَفَاقَ يمْسَح عَنهُ الرُّحَضاء، وَقَالَ: أَيْنَ هَذَا السَّائِل وكأنّه حَمِده فَقَالَ: إِنَّه لَا يأْتي الْخَيْرُ بالشَّرِّ وَإِن مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقتُل حَبطاً أَو يُلِمّ إِلَّا آكِلةَ الْخَضِر، فَإِنَّهَا أكلت حَتَّى إِذا امْتَلَأت خاصِرَتاها اسْتقْبلت عَيْنَ الشَّمْس فَثَلَطَتْ وبالَتْ ثمَّ رَتَعَتْ، وإنَّ هَذَا المَال خَضِرَةٌ حُلْوَة، ونِعْمَ صاحِبُ المُسْلِم هُوَ لمن أعْطى الْمِسْكِين واليَتِيم وابنَ السَّبِيل أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله: (وإنّه مَنْ يأْخُذْه بِغَيْر حَقِّه فَهُوَ كالآكل الَّذِي لَا يَشبَع وَيكون عَلَيْهِ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة.
قلت: وَإِنَّمَا تَقَصَّيْتُ رِواية هَذَا الْخَبَر لِأَنَّهُ إِذا بُتِر اسْتَغْلَقَ مَعْنَاهُ، وَفِيه مَثَلان: ضَرَبَ أحدَهما للمُفْرِط فِي جمع الدُّنْيَا ومَنْع مَا جَمَع من حَقّه، والمثل الآخر ضربه للمُقْتَصِد فِي جمع المَال وبذله فِي حَقّه.
وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإنّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُل حَبَطاً فَهُوَ مَثَلُ الحرِيص المُفْرِط فِي الْجمع والمَنْع وَذَلِكَ أَن الرَّبيع يُنبِت أَحْرارَ العُشْب الَّتِي تحْلَوْلِيها الماشِيَة فَتَسْتَكْثِر مِنْهَا حَتَّى تَنْتَفِخَ بطونها وتَهْلِكُ، كَذَلِك الَّذِي يجمع الدُّنْيَا ويحرص عَلَيْهَا ويَشحُّ على مَا جَمَعَ حَتَّى يمنَع ذَا الحقِّ حَقّه مِنْهَا، يَهلِكُ فِي الْآخِرَة بِدُخُول النَّار واستِيجابِ الْعَذَاب) . وأمَّا مَثَلُ المُقْتَصِد الْمَحْمُود، فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِلَّا آكِلَة الخَضِر فَإِنَّهَا أكلَتْ حَتَّى إِذا امْتَلَأت خواصِرُها استَقْبَلَتْ عينَ الشَّمْس فَثَلَطَتْ وبالَتْ ثمَّ رتَعَت، وَذَلِكَ أَن الخَضِر لَيْسَ من أَحْرار الْبُقُول الَّتِي تستكثر مِنْهَا الْمَاشِيَة فتُهْلكُه أكْلاً وَلكنه من الجَنْبَة الَّتِي ترْعاها بَعدَ هَيْج العُشبِ ويُبْسِه. وأكثرُ مَا رَأَيْت الْعَرَب يَجعَلون الخضِرَ مَا اخضَرَّ من الحَلِيّ الَّذِي لم يَصْفَرّ، والماشِيَةُ ترتَع مِنْهُ شَيئاً شَيئاً وَلَا تستكثر مِنْهُ فَلَا تحبَطُ بطونُها عَنهُ، وَقد ذكره طرفَةُ فَبيَّن أَنه من نَبَات الصَّيف فِي قَوْله:
كنَباتِ المخْزِ يمأَدْنَ إِذا
أنَبتَ الصَّيفُ عَسَالِيجَ الخَضِر
فالخَضِر من كلأ الصَّيف، وَلَيْسَ من أَحْرَار بقول الرّبيع، والنَّعَم لَا تَسْتَوْبله وَلَا تحبَط بُوطنها عَنهُ، وأمَّا الخُضارَة فَهِيَ من الْبُقُول الشتوية وَلَيْسَت من الْجَنبة فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آكِلَة الخَضِر مثلا لمن يَقْتَصِد فِي أَخذ الدُّنْيَا وَجَمعهَا وَلَا يسرف فِي قَمّها والحِرْص عَلَيْها وَأَنه ينجو من وَبَالِها كَمَا نَجَت آكِلَة الخَضِر، أَلا تَرَاه قَالَ: فَإِنَّهَا إِذا أَصَابَت من الخِضِر اسْتقْبلت عَيْنَ الشَّمْس فَثَلَطَت وبالت، وَإِذا ثَلَطَت فقد ذهب حَبَطُها، وَإِنَّمَا تَحْبَطُ الماشِيَةُ إِذا لم تَثْلِط ولَمْ تَبُلْ وأْتُطِمَت عَلَيْهَا بطونها. وَأما قَوْله ج: (إِن هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute