للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّيْث: حَرِيم الدَّارِ مَا أُضِيف إِلَيْهَا وَكَانَ من حُقوقها ومرافقها. وحريم النَّهر مُلْقَى طِينِه والمَمْشى على حافَتَيْه وَنَحْو ذَلِك. والحريمُ الَّذِي حَرُم مَسُّه فَلَا يُدنَى مِنْهُ. وَكَانَت العربُ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا حَجّت البيتَ تخْلَعُ ثِيَابهَا الَّتِي عَلَيْهَا إِذا دَخَلُوا الحَرَم، وَلم يلْبَسُوها مَا داموا فِي الحَرَم. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

لَقىً بَين أَيدي الطائفين حَرِيمُ

وَقَالَ المفسرُون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعرَاف: ٣١) كَانَ أَهْلُ الجاهليَّة يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ لَا نَطوف بِالْبَيْتِ فِي ثيابٍ قد أذْنَبْنَا فِيهَا، وَكَانَت المرأةُ تطُوف عُرْيانَةً أَيْضا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَت تلبَسُ رَهْطاً من سُيُورٍ وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب:

الْيَوْم يَبْدُو بَعْضُه أَو كُلُّه

ومَا بَدَا مِنْه فَلَا أُحِلُّه

تَعْنِي فرجَها أَنَّه يظْهر من فُرُوج الرَّهْطِ الَّذِي لبسته، فَأمر الله بَعْدَ ذكْرِه عُقُوبَةَ آدَمَ وحوّاءَ بِأَنْ بَدَتْ سَوْآتُهما بالاستِتَار، فَقَالَ {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وأَعلم أَن التَّعَريَ وظهورَ السَّوْءَةِ مَكْرُوه، وَذَلِكَ من لَدُن آدَمَ.

وَقَالَ الليثُ: تَقول: هَذَا حَرَامٌ والجميع حُرُمٌ قَالَ الْأَعْشَى:

تَهادِي النهارَ لجاراتهم

وبالليل هُنَّ عَلَيْهِم حُرُم

والمحْرُومُ: الَّذِي حُرِمَ الخيْرَ حِرْماناً فِي قَول الله جلّ وعزّ: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} (الذّاريَات: ١٩) .

وَأما قَوْله جلّ وعزّ:((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: ٩٥) قَالَ قتادةُ عَن ابْن عباسٍ: مَعْنَاهُ واجِبٌ عَلَيْها إِذا هَلَكَتْ ألاّ تَرْجِعَ إِلَى دُنْيَاها.

وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النحويُّ: بَلَغني عَن ابْن عَبَّاس أنّه قَرَأَهَا (وحَرِمَ على قَرْيَة) يَقُول وَجب عَلَيْهَا. قَالَ وَحدثت عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأها (وحِرْمُ على قَرْيَة) فَسئلَ عَنْهَا فَقَالَ عزم عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ} يحْتَاج هَذَا إِلَى أَن يبيَّن، وَهُوَ وَالله أعلم أَنه جلّ وعزّ لما قَالَ {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (الأنبيَاء: ٩٤) أعْلَمَنَا أنَّه قد حرم أعمالَ الْكفَّار، فَالْمَعْنى حرَام على قَرْيَة أهلكناها، أَنْ يُتَقَبَّل مِنْهُمْ عَمَلٌ لأَنهم لَا يرجعُونَ أَي لَا يتوبون.

وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ابْن أبي الدُّمَيْكِ عَن حميد بن مَسْعدةَ عَن يزِيد بن زُرَيْعِ عَن داودَ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْله {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: ٩٥) قَالَ: وَجَبَ على قَرْيةٍ أهلكناها أَنَّهُ لَا يَرجِع مِنْهُم رَاجِعٌ: لَا يَتُوب مِنْهُم تائبٌ. قلت وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الزجّاج. وروى الفَرّاء بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس (حِرْمٌ) قَالَ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة {وَحَرَامٌ} قَالَ الْفراء {وَحَرَامٌ} أَفْشَى فِي الْقِرَاءَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>