يحيى سُئِل عَن تفسيرِها فَقَالَ: اختُلِفَ فِيهِ، فَقَالَت طائِفَةٌ: هُوَ مقدم ومؤخر وَمَعْنَاهُ نحيا وَنَمُوت وَلَا نحيا بعد ذَلِك.
وَقَالَت طائِفَةٌ: مَعْنَاهُ نَحْيَا ونَمُوتُ وَلَا نَحْيَا أبدا، ويحيا أولادُنا بَعْدَنا فَجعلُوا حياةَ أَوْلَادِهم بَعْدَهُم كحياتهم، ثمَّ قَالُوا: وَيَمُوت أَوْلَادُنا فَلَا نحيا وَلَا هُمْ.
وَقَالَ ابْنُ المظَفَّر فِي قَول المصلّي فِي التَّشَهُّد: التحيَّاتُ للَّهِ، قَالَ: مَعْنَاهُ: الْبَقَاء للَّهِ، وَيُقَال: المُلْكُ للَّهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سلَمَةَ عَن الفرّاء أَنّه قَالَ فِي قَول الْعَرَب حَيَّاكَ اللَّهُ، مَعْنَاهُ: أبقاك اللَّهُ، قَالَ: وحَيّاكَ أَيْضاً أَي ملّكك اللَّهُ، قَالَ: وحيّاك أَي سلّم عَلَيْك. قَالَ وَقَوْلنَا فِي التَّشَهُّد: التَّحِيَّاتُ للَّهِ يُنْوَى بهَا البقاءُ للَّهِ وَالسَّلَام من الآفاتِ لله والمُلْكُ للَّهِ. وَنَحْوَ ذَلِك قَالَ أَبُو طَالب النحويُّ فِيمَا أفادني عَنهُ الْمُنْذِرِيّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عَمْرو: التحيَّةُ: المُلْكُ وَأنْشد قَول عَمْرو بن معدي كرب:
أسيرُها إِلَى النُّعْمَانِ حَتَّى
أُنِيْخَ على تَحِيَّتِه بِجُنْدي
يَعْنِي على مُلْكِه، وَأنْشد قَول زُهَيْر بن جَنَابٍ الكَلْبي:
وَلَكُلُّ مَا نَالَ الفَتَى
قَدْ نِلْتُه إلَاّ التَّحِيَّة
قَالَ يَعْنِي المُلْكَ.
قَالَ أَبُو عبيد: والتحيَّةُ فِي غير هَذَا: السلامُ.
قَالَ خَالِد بن يزِيد: لَو كَانَت التحيَّةُ المُلْكَ لما قيل التحيَّاتُ لِلَّهِ، وَالْمعْنَى السلَامَاتُ من الْآفَات كلهَا لِلَّهِ، وجَمَعَها لِأَنَّهُ أَرَادَ السَّلَام من كل آفَةٍ.
وَقَالَ القتبي: إِنَّمَا قيل التحيّات لِلَّهِ على الْجمع لِأَنَّهُ كَانَ فِي الأَرْض مُلُوك يُحَيَّوْن بتحيّاتٍ مُخْتَلفَة يُقَال لبَعْضهِم: أبيتَ اللَّعْن، ولبعضهم اسْلَمْ وانْعَمْ، وَعِشْ ألفَ سنَةٍ، فَقيل لنا قُولُوا: التحيَّاتُ لِلَّهِ، أَي الْأَلْفَاظ الَّتِي تَدُل على المُلْكِ ويُكَنَّى بهَا عَن المُلْكِ هِيَ للَّهِ تَعَالَى.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه كَانَ يُنكر فِي تَفْسِير التَّحِيَّة مَا روينَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة، وَيَقُول: التحيَّةُ فِي كَلَام الْعَرَب مَا يُحيي بِهِ بعضُهم بَعْضًا إِذا تلاقَوْا. قَالَ: وتحيّةُ اللَّهِ الَّتِي جعلهَا فِي الدُّنْيَا والآخرةِ لِمُؤْمِنِي عبادِه إِذا تلاقَوْا ودعا بعضُهم لبَعض بأَجْمَعِ الدُّعَاءِ أَن يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ فِي أهل الْجنَّة: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} (الْأَحْزَاب: ٤٤) وَقَالَ فِي تحيَّة الدُّنْيَا {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} (النِّسَاء: ٨٦) وَقَالَ فِي قَول زُهَيْر بن جناب:
ولَكُلُّ مَا نَال الْفَتَى
قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التّحِيَّة
يُرِيد إلاّ السَّلامَة من المنيّة والآفات فَإِن أحدا لَا يسلم من الموتِ على طول البقَاءِ. فَجعل أَبُو الْهَيْثَم معنى (التحياتُ لِلَّهِ) أَي السَّلَام لَهُ من الْآفَات الَّتِي تلْحق الْعباد من العَناء وَأَسْبَاب الفناء