ورُوِي عَن أبي سعيد الضَّرِير أَنه قَالَ فِيمَا ردّ على أبي عُبَيد: هَذَا خطأ قد يَخْلُفُ الرجلَ فِي أَهله كهلاً وَغير كهل، قَالَ: وَالَّذِي سمعناه من الْعَرَب من غير مَسْأَلَة أَن الرجل الَّذِي يخلُف الرجلَ فِي أَهله يُقَال لَهُ الكاهِن، وَقد كهَن يَكْهُن كُهوناً، قَالَ: فَلَا يَخْلُو هَذَا الحرفُ من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون المحدَّثُ سَاءَ سَمعه فظَنّ أَنه كَاهِل، وَإِنَّمَا هُوَ كاهِنٌ، أَو يكون الحَرْف تُعاقَب فِيهِ بَين اللاّم والنّون، كَمَا قَالُوا: هَتَنَتِ السماءُ وهَتَلَت، وَمِنْه الغِرْيَن والغِرْيَل لما يَبْقَى فِي أَسْفَل الحَوْض من الطِّين.
قلت: وَهَذَا الّذي قَالَه أَبُو سَعيد لَهُ وَجْه غيرَ أنّه مستكرَه، وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَفْسِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل الَّذِي أَرَادَ الجهادَ مَعَه: هَل فِي أهلِك من كاهِل؟ مَعْنَاهُ هَل فِي أهلِكَ مَنْ تَعْتَمِده للْقِيَام بشأن عيالِك الصِّغار ومَن تخلُفه ممَّن يَلزمُك عَوْلُه؟ فَلَمَّا قَالَ لَهُ: ماهم إِلَّا صِبْية صِغار أَجَابَهُ فقالَ تَخلَّف وجاهِدْ فيهم وَلَا تضيِّعهم.
وسمعتُ غيرَ وَاحِد من الْعَرَب يَقُول: فلانٌ كاهِلُ بني فلَان: أَي معتَمدُهم فِي المُلِمَّات وسَنَدهم فِي المُهِمَّات، وَهُوَ مَأْخُوذ من كَاهِل الظَّهْر، لأنَّ عُنُق الفَرَس يتسانَد إِلَيْهِ إِذا أَحْضَر، وَهُوَ معتَمد مقدَّم قَرَبُوس السَّرج، واعتماد الْفَارِس عَلَيْهِ، وَمن هَذَا قولُ رؤبةَ يَمْدَح مَعَدّاً:
إذَا مَعَدُّ عَدَّتِ الأوائلا
فابْنا نِزَارٍ فَرَّجا الزَّلازِلا
حِصْنَيْن كَانَا لَمَعدَ كاهِلا
أَي كَانَا يَعنِي ربيعةَ ومُضَر عُمْدة أَوْلَاد مَعَدّ كلِّهم، ثمّ وصفَهما فَقَالَ:
ومنكبين اعتليا التَّلاتِلَا
وَالْعرب تَقول: مُضرُ كاهِلُ الْعَرَب، وَتَمِيم كاهِلُ مُضَر، وَسعد كَاهِل تَمِيم.
قلت: فَهَذَا يبيِّن لَك صِحَة مَا اخترناه من هَذِه الْأَقَاوِيل، وَالله أعلم.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: فلانٌ شديدُ الْكَاهِل، أَي منيع الْجَانِب، وَيُقَال طَار لفُلَان طائرٌ كَهْل، إِذا كَانَ لَهُ جَدُّ وحَظٌّ فِي الدُّنْيَا.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الكَهُول: العَنْكبوت قَالَ: وحُقُّ الكَهول: بَيْتُه.
وَقَالَ عَمْرو بنُ الْعَاصِ لمعاوية حِين أَرَادَ عزلَه عَن مصر: إنّي أتيتُك من الْعرَاق وإنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهُول، فَمَا زِلتُ أسْدِي وأُلْحِم حَتَّى صَار أَمرُك كَفلْكة الدّرَّارة وكالطِّراف الممدّد.
ورَوَى ابْن السكّيت عَن أبي عَمرو أَنّه قَالَ: يُقَال للرجل: إِنَّه لذُو شاهِق وكاهِل وكاهِن، بالنُّون وَاللَّام، إِذا اشتدّ غضبُه، وَيُقَال ذَلِك للفَحْل عِنْد صِياله حِين تَسْمع لَهُ صَوتا يَخْرج من جَوْفه.
هـ ك ن
هنك، كهن، كنه، نهك، نكه: مستعملة.
نهك: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: نهِكْته الحُمَّى: إِذا رُئي أثرُ الهُزال فِيهِ من المَرَضِ، فَهُوَ مَنْهوك وبَدَتْ فِيهِ نَهْكة.
وَفِي الحَدِيث: (لِيَنْهِك الرجلُ مَا بَين أَصَابِعه أَو لَتَنْهَكنَّه النَّار) يَقُول: لِيبالِغ فِي غَسْل