للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَاكِهَة، وَإِنَّمَا شذّ قولُ النُّعمان بنِ ثَابت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عَن أَقاويل جماعةِ فُقَهَاء الْأَمْصَار لقلِّةِ عِلْمه كَانَ بكلامِ العَرب وعِلم اللُّغَة وتأويلِ الْقُرْآن العربيّ الْمُبين. والعربُ تَذكُر الأشياءَ جُملةً ثمَّ تخصُّ مِنْهَا شَيْئا بالتَّسْمية تَنْبِيها على فضْلٍ فِيهِ.

قَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن كَانَ عَدُوًّا لّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (البَقَرَة: ٩٨) فَمن قَالَ إنَّ جِبريل وميكال ليسَا من الْمَلَائِكَة لإفراد الله إيَّاهما بالتّسمية بعد ذِكر الْمَلَائِكَة جملَة فَهُوَ كَافِر؛ لِأَن الله نَص على ذَلِك وبيَّنه، وَكَذَلِكَ من قَالَ إِن ثَمَر النّخل وَالرُّمَّان لَيْسَ من الْفَاكِهَة: لإفراد الله إيَّاهُمَا بِالتَّسْمِيَةِ بعد ذكر الْفَاكِهَة جملَة فَهُوَ جَاهِل، لِأَن الله وإنْ أفرَدَهما بالتّسمِية فَإِنَّهُ لم يُحرِجهما من الْفَاكِهَة، وَمن قَالَ: إنَّهُما ليسَا من الْفَاكِهَة فَهُوَ خلافُ الْمَعْقُول، وَخلاف مَا تَعرفُه الْعَرَب.

وَقَالَ اللَّيْث: فَكَّهْتُ القومَ تفكِيهاً بالفاكهة. قَالَ: وفاكَهْتُ القومَ مُفاكَهةً بمُلَح الْكَلَام والمُزاح، وَالِاسْم الفَكِيهةُ والفاكهة.

وَتقول: تفكَّهْنا من كَذَا وَكَذَا: تَعَجَّبْنَا.

وَمِنْه قولُ الله: {حُطَاماً فَظَلْتُمْ} (الواقِعَة: ٦٥) أَي تَعَجَّبون.

قَالَ: وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَآءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ} (الطُّور: ١٨) أَي ناعمين مُعجبين بِمَا هم فِيهِ، ومَنْ قَرَأَ (فَكِهِينَ) فَمَعْنَاه فَرِحِين.

قَالَ: وسمعتُ أهلَ التفسيرِ يَختارُون مَا كَانَ فِي وصف أهل الجَنَّة فاكِهين، وَمَا كَانَ من وَصْف أهل النّار فَكِهين، يَعْنِي أَشرينَ بَطرين.

وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلَّ وعزّ فِي صفة أهل الجنّة: {الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِى} (يس: ٥٥) بِالْألف، وَيقْرَأ (فَكِهون) وَهِي بِمَنْزِلَة حَذرُون وحاذِرُون. قلتُ: لمَّا قرىء بالحرفين فِي صفة أهل الجنّة علم أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِد.

وَقَالَ الفرّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى: {تَعْمَلُونَ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} (الطّور: ١٧، ١٨) قَالَ: مُعجبين بِمَا آتَاهُم ربُّهم.

وَقَالَ الزجّاج: قُرِىء (فكهين) و (فَاكهين) (الطُّور: ١٨) جَمِيعًا والنَّصب على الْحَال، وَمعنى {وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَآءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ} (الطُّور: ١٨) : أَي معجَبين بِمَا آتَاهُم ربُّهم.

وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: تَقول الْعَرَب للرجل إِذا كَانَ يَتفكَّه بِالطَّعَامِ أَو بالفاكهة أَو بأعراضِ النَّاس: إنَّ فلَانا لَفِكَه بِكَذَا وَكَذَا، وَأنْشد قَوْله:

فكِه إِلَى جَنْبِ الخِوَانِ إِذا غَدَتْ

نَكْبَاءُ تَقْطع ثابِتَ الأطنابِ

وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو زيد: الفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْس الضَّحُوك.

وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: رَجُلٌ فَكِهٌ وفاكِهٌ وفَيْكَهَانٌ، وهوَّ الطيِّبُ النّفس المَزَّاح. وَأنْشد:

إِذا فَيْكَهَانٌ ذُو مُلَاء وَلِمَّةٍ

قَلِيل الأذَى فِيمَا يرى الناسُ مُسلِمُ

قَالَ: وفاكَهتُ: مازحت.

<<  <  ج: ص:  >  >>