للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأما قولُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي كنت نهيتُكم عَن زِيَارَة الْقُبُور فزُوروها وَلَا تَقولُوا هُجْراً) فإنّ أَبَا عُبَيد ذَكر عَن الكسائيّ والأصمعيّ أَنَّهُمَا قَالَا: الهُجْر: الإفحاش فِي المَنطِق والخَنا.

يُقَال مِنْهُ: أَهجرَ الرجلُ يَهجِرُ، وَقَالَ الشّمَّاخ:

كماجِدَةِ الأعراقِ قَالَ ابنُ ضَرَّة

عَلَيْهَا كلَاما جارَ فِيهِ وأهجَرَا

وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أهجرتُ بالرّجل إهجاراً: إِذا استهزأتَ بِهِ وقلتَ لَهُ قولا قبيحاً، وهَجَر الرجلُ هَجْراً، إِذا تباعَد ونَأَى، وهَجَرَ فِي الصَّوْم هَجْراً وهِجراناً.

ورُوي عَن عمر أَنه قَالَ: هاجِروا وَلَا تَهجَّرُوا.

وَقَالَ أَبُو عبيد: يَقُول: أَخلِصوا الهِجْرةَ وَلَا تَشبَّهوا بالمهاجرين على غير صِحة مِنْكُم، فَهَذَا هُوَ التَّهجُّر، وَهُوَ كَقَوْلِك: فلانٌ يتحلّم وَلَيْسَ بحليم، ويتشجَّع وَلَيْسَ بِشُجَاعٍ: أَي أَنه يُظهِر ذَلِك وَلَيْسَ فِيهِ. قلت: وأصل المُهاجَرة عِنْد الْعَرَب: خروجُ البدويّ من بادِيتِه إِلَى المُدُن.

يُقَال: هاجَر الرجُل، إِذا فَعل ذَلِك، وَكَذَلِكَ كلّ مُخْلٍ بمسكنه منتقِل إِلَى دارِ قومٍ آخَرين؛ لأَنهم تَركوا ديارَهم ومساكنَهم الَّتِي بهَا نشؤوا بهَا لله وَلَحِقُوا بدار قوم لَيْسَ لَهُم بهَا أهلٌ وَلَا مالٌ حينَ هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة، وَكَذَلِكَ الَّذين هَاجرُوا إِلَى أَرض الحَبشة. فكلُّ من فارقَ رِباعَه من بدويّ أَو حَضَرّي وَسكن بَلَدا آخر فَهُوَ مُهاجر، وَالِاسْم مِنْهُ الهِجْرة. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى الَاْرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} (النِّساء: ١٠٠) وكُلُّ من أَقَامَ من البَوادي بمَبادِيهِمْ ومَحاضرهم وَلم يلْحقُوا بالنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَتَحَوَّلُوا إِلَى أَمْصَار الْمُسلمين الَّتِي أُحدِثَتْ فِي الْإِسْلَام وَإِن كَانُوا مُسلمين فَإِنَّهُم غير مُهاجرين وَلَيْسَ لَهُم فِي الفَيْء نصيبٌ، ويسمَّوْن الْأَعْرَاب.

أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: هجرتُ البعيرَ أهجُره هجْراً، وَهُوَ أَن يُشَدّ حبلٌ فِي رُسْغ رِجْله ثمَّ يُشَدّ إِلَى حَقْوه.

وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: قَالَ نصير: هجَرتُ البَكْرَ، إِذا رَبطْتَ فِي ذراعِه حَبْلاً إِلَى حَقْوه وقصْرتَه لِئَلَّا يقدر على العَدْو.

قلتُ: وَالَّذِي حفِظْتُه عَن الْعَرَب فِي تَفْسِير الهِجار أَن يؤخَذ حبلٌ ويسوَّى لَهُ عُروَتان فِي طَرَفيه بزرَّيْن، ثمَّ تُشَدّ إِحْدَى العُرْوَتين فِي رُسْغ رجل الفَرَس وتُزَرّ وَكَذَلِكَ العُروة الْأُخْرَى فِي الْيَد، وتُزَرّ، وسمعتُهم يَقُولُونَ: هجِّروا خيلَكم، وَقد هجَر فلَان فرسه هجْراً.

وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لكلّ شَيْء أفرط فِي طول أَو تَمام وحُسْن: إِنَّه لمُهْجِر. ونَخْلةٌ مُهجرة: إِذا أفرطت فِي الطول، وَأنْشد:

يعلى بِأَعْلَى السُّحُق المُهاجرِ

مِنْهَا عِشاشُ الهُدهُد القُراقِر

وسمعتُ الْعَرَب تَقول فِي نَعْتِ كلّ شَيْء جاوزَ حدَّه فِي تَمَامه: إِنَّه لمُهجِر، وناقةٌ مُهجرة: إِذا وُصفت بالفَراهة والحُسن، وَإِنَّمَا سُمي ذَلِك إهجاراً؛ لأنّ ناعِتَه يَخرج فِي نَعتِه عَن الحدّ المقارِب المُشاكل

<<  <  ج: ص:  >  >>