للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خَفِيف الرُّوح. والمِعْرق: حَدِيدَة يُبرَى بهَا العُراق من العِظام. يُقَال عَرقت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم بمِعرق، أَي بشفرة.

وَفِي حديثٍ مَرْفُوع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بعَرَقٍ من تَمْر. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن جَبَلة وَغَيره عَن أبي عُبيد، وَأَصْحَاب الحَدِيث يخفّفون فَيَقُولُونَ عَرْق.

وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: العَرَق: السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قبل أَن يسوَّى مِنْهَا زَبيلٌ، فسمِّي الزَّبيل عَرَقاً لذَلِك، وَيُقَال لَهُ عَرَقَةٌ أَيْضا. قَالَ: وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء يصطفُّ، مثل الطَّير إِذا اصطفَّتْ فِي السَّمَاء، فَهُوَ عَرَقة. وَقَالَ غَيره: وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء مضفورٍ عَرْضاً فَهُوَ عَرَق. وَقَالَ أَبُو كَبِير الهذليّ:

نغدو فنترك فِي المزاحف مَن ثَوى

ونُمِرُّ فِي العَرقات من لم نقتلِ

يَعْنِي نأسرهم فنشُدُّهم فِي العَرَقات، وَهِي النُّسوع.

وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ مَن أَحْيَا أَرضًا مَيْتةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرقٍ ظالمٍ حقّ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ هِشَام بن عُرْوَة وَهُوَ الَّذِي روى الحَدِيث العِرق الظَّالِم: أَيْن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا رجلٌ قبلَه فيَغرِس فِيهَا غَرساً، أَو يُحدث فِيهَا شَيْئا ليستوجب بِهِ الأَرْض. فَلم يَجْعَل لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ شَيْئا، وَأمره بقلع غِراسه وَنقض بنائِهِ، وتفريغه لمَالِكه.

وَفِي حَدِيث آخر رُوي عَن عِكراش بن ذُؤَيْب أَنه قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبلٍ من صَدَقات قومه كَأَنَّهَا عُروق الأرطَى. قلت: عُروق الأرطى طِوالٌ ذاهبةٌ فِي ثرى الرمال الممطورة فِي الشتَاء، ترَاهَا إِذا استُخرِجت من الثَّرى حُمراً تقطر مَاء وفيهَا اكتناز. فشبَّه الْإِبِل فِي ألوانها وسمنها وحسنها واكتناز لحومها وشحومها، بعُروق الأرطى. وعُروق الأرطى يقطُر مِنْهَا الماءُ لانسرابها فِي رِيّ الثَّرى الَّذِي انسابت فِيهِ. والظِّباء وبقر الْوَحْش تَجِيء إِلَيْهَا فِي حَمْرَاء القيظ فتستثيرها من مساربها وتترشّف ماءها، فتَجزأ بِهِ عَن وُرُود المَاء. وَقَالَ ذُو الرّمة يصف ثوراً حفر أصل أَرْطَاة ليكنس فِيهِ من الحَر فَقَالَ:

تَوخّاه بالأظلاف حتّى كأنّما

يُثير الكُبابَ الجعدَ عَن مَتنِ مِحمَلِ

الكُباب: مَا تكبَّب من الثرى وجَعُد لرطوبته. والمِحْمَل: حِمالة السَّيف من السُّيور. شبّه حمرةَ عروقِ الأرطى بحمرتها.

وَفِي حَدِيث آخر أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دخل على أمِّ سَلمَة وَتَنَاول عَرْقاً ثمَّ صلَّى وَلم يتَوَضَّأ) . العَرْق جمعُه عُراق، وَهِي الْعِظَام الَّتِي اعترِق مِنْهَا هَبْر اللَّحْم وبقيَ عَلَيْهَا لحومٌ رقيقَة طيّبة، فتكسَّر وتُطبَخ، وَيُؤْخَذ إهالتها من طُفاحتها، ويؤكل مَا على الْعِظَام من عُوَّذ اللَّحْم الرَّقِيق، ويُتمَشش مُشاشُها. ولحمُها من أمرأ اللُّحمان وأطيبها. يُقَال عرقت الْعظم وتعرَّقته واعترقتُه، إِذا أخذت اللحمَ عَنهُ نَهْساً بأسنانك. وعظمٌ معروق، إِذا نُفِيَ عَنهُ لحمُه.

وَأنْشد أَبُو عبيد لبَعض الشُّعراء:

<<  <  ج: ص:  >  >>