وَمِنْه قَول الله عزَّ وجلَّ فِي ذكر قوم لُوط وقولِهم فِي مؤمني قوم لوط: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (الأعرَاف: ٨٢) أَي يتنزهون عَن إتْيَان الذُّكران.
وَيُقَال: فلانٌ طَاهِر الثِّيَاب: إِذا لم يكن دَنِسَ الْأَخْلَاق. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
ثِيَابُ بني عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ
وأوجُهُهُمْ بِيضُ المَسافِرِ غُرّانُ
وَقَول الله عزّ وجلّ: {وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} (آل عِمرَان: ١٥) يَعْنِي من الْحيض وَالْبَوْل وَالْغَائِط، وَمَاء طَهُور: أَي يُتَطَهَّر بِهِ، وكما تَقول: وَضُوء، للْمَاء الَّذِي يُتَوَضَّأ مِنْهُ، وكلُّ طَهُورٍ طاهِرٌ، وَلَيْسَ كلّ طَاهِر طَهُوراً. {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (البَقَرَة: ٢٢٢) : اغتسلْنَ، وَقد تطَهَّرَت الْمَرْأَة، واطّهرت، فَإِذا انْقَطع عَنْهَا الدَّم قيل: طَهَرت تطهُر فَهِيَ طَاهِر بِلَا هَاء. وَقَوله عزّ وجلّ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (هُود: ٧٨) : أَي أحَلُّ لكم، والتطهُّرُ: التنزُّه عمّا لَا يحلُّ، وَمِنْه قَوْله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (الأعرَاف: ٨٢) : أَي يتنزهون عَن أدبار النِّسَاء وَالرِّجَال، قَالَه فِي قوم لوط تهكّماً، وَقَوله تَعَالَى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ} (البَقَرَة: ١٢٥) يَعْنِي من الْمعاصِي، وَالْأَفْعَال المحرَّمة.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: ٤) : قَالَ بعضُ المفسِّرين: يَقُول: لَا تكن غادِراً فتُدنِّسَ ثِيَابك، فإنّ الغادر دَنِسُ الثّياب، وَقيل معنى قَوْله: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: ٤) يَقُول: عَمَلَك فأَصْلِحْ.
وَقَالَ بَعضهم: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: ٤) : أَي قَصِّرْ، فإِنَّ تَقْصِير الثِّياب طُهرٌ.
ورَوى عِكرمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدَّثِّر: ٤) يَقُول: لَا تَلْبَس ثيابَك على مَعْصِيّة وَلَا فُجور وكُفر، وَأنْشد قولَ غَيْلَان:
إنِّي بحَمْدِ الله لَا ثَوْبَ غادرٍ
لَبِسْتُ وَلَا مِن خَزْيةٍ أَتَقنَّعُ
قلت: وكلّ مَا قيل فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وثيابم فطهر فَهُوَ صَحِيح من جِهَة اللُّغة، ومعانيها مُتَقَارِبَة، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
وأمّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً} (الفُرقان: ٤٨) فإنَّ الطَّهُور فِي اللُّغَة هُوَ الطَّاهر المطهِّر، لأنّه لَا يكون طَهوراً إلاّ وَهُوَ يُتطهَّر بِهِ، كَالْوضُوءِ: الماءُ الَّذِي يُتَوضّأ بِهِ، والنَّشُوقِ: مَا يُسْتنشَق بِهِ، والفَطُورِ مَا يُفطَرُ عَلَيْهِ من شرابٍ أَو طعامٍ.
وسُئل النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ماءِ الْبَحْر فَقَالَ: (هُوَ الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُه) : أَرَادَ أنَّه طَاهِر يُتطهر بِهِ.
وَقَالَ الشافعيّ: كلُّ ماءٍ خَلقه الله نازِلاً من السَّمَاء أَو نابِعاً من عَين فِي الأَرْض أَو بحرٍ لَا صَنعةَ فِيهِ لآدمِيّ غير الاسْتِقاء، وَلم يُغيِّرْ لَوَنه شيءٌ يُخالطُه، وَلم يَتغير طعمُه مِنْهُ فَهُوَ طهُور، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ:
قَالَ: وَمَا عدا ذَلِك من ماءٍ وَرْدٍ أَو وَرَقِ شَجَرٍ أَو ماءِ يَسِيلُ من كَرْمٍ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ طَاهِرا فَلَيْسَ بِطهُور.