للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

خلق: قَالَ اللَّيْثُ: الْخَلِيقَةُ: الْخُلُقُ، وجَمْعُها: الْخَلائِقُ.

أبُو عُبَيْد، عَن أَبِي زَيْدٍ: إِنَّه لكريم الطبيعة والْخَلِيقَة والسَّلِيقَة: بِمَعْنى وَاحِد.

قلتُ: ورأيتُ بِذُرْوَةِ الصَّمَّان قِلَاتاً تمسك مَاء السَّحَاب فِي صَفَاةٍ خَلَقها الله فِيهَا، تسمِّيها الْعَرَب الخَلائِقَ، الْوَاحِدَة خَلِيقَةٌ وَرَأَيْت بالْخَلْصَاء من جبال الدَّهْنَاءِ دُحْلَاناً خَلَقَها الله فِي بطُون الأَرْض، أَفواهها ضيقَة، فَإِذا دَخلهَا الدَّاخِل وجدهَا تَضِيق مرّة وتتسع أُخْرَى، ثُمَّ يُفْضي المَمَرّ فِيهَا إِلَى قَرَارٍ للْمَاء واسعٍ لَا يُوقَفُ على أقصاه، وَالْعرب إِذا تَرَبَّعوا الدَّهْنَاءَ وَلم يَقع رَبيعٌ بِالْأَرْضِ يمْلَأ الْغُدْرَانَ _ استقوا لخيلهم وشفاههم من هَذِه الدُّحْلَانِ.

وَمن صِفَات الله: الْخَالِقُ والْخَلَاّقُ، وَلَا تجوز هَذِه الصّفة بِالْألف وَاللَّام لغير الله جلَّ وعزَّ.

والْخَلْقُ فِي كَلَام الْعَرَب: ابتداعُ الشَّيْء على مثالٍ لم يُسْبَقُ إليْه.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنْبَارِيِّ: الْخَلْقُ فِي كَلَام الْعَرَب على ضَرْبَيْنِ، أَحدهمَا: الْإِنْشَاء على مثالٍ أبدعه، وَالْآخر: التَّقْدِير.

وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ١٤] مَعْنَاهُ: أحسنُ المقدرين، وَكَذَلِكَ قَوْله: {وتخلقون إفكا} [العنكبوت: ١٧] أَي: تُقَدِّرون كَذباً.

قلتُ: وَالْعرب تَقول: خَلَقْتُ الأَدِيمَ إِذا قدَّرْتَه وقِسْتَه، لتَقطع مِنْهُ مَزَادَةً أَو قِرْبَةً أَو خُفّاً.

وَقَالَ زُهَيْر:

(وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْضُ ... الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي)

يمدح رجلا فَيَقُول لَهُ: أَنْت إِذا قدَّرْتَ أمرا قطعتَه وأمضيتَه، وغيرُك يقدِّر مَا لَا يقطعُه، لِأَنَّهُ غير ماضي العَزم، وَأَنت مَضَّاءٌ على مَا عزمتَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الكُميتُ:

(أَرَادُوا أَنْ تُزَايِلَ خَالِقاَتٌ ... أَدِيمَهُمُ يَقِسْنَ وَيَفْتَرِينَا)

يصف ابْنَيْ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ _ وهما رَبيعَةُ ومُضَرُ _ أَرَادَ: أَن نَسَبَهُمْ وأديمهم وَاحِد.

فَإِذا أَرَادَ خَالِقَاتُ الْأَدِيم التفريقَ بَين نسبهم تَبَيَّن لهنَّ أَنه أديمٌ وَاحِد لَا يجوز خَلْقهُ للْقطع، وضَرَبَ النساءَ الْخَالِقَاتِ للأديم _ مَثَلاً للنسَّابين الَّذين أَرَادوا التَّفْرِيق بَين ابْنَيْ نزَارٍ.

وَيُقَال: زايلتُ بَين الشَّيْئَيْنِ وزيَّلْتُ: إِذا فرقْتَ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: (إِن هَذَا إلاّ خَلْقُ الْأَوَّلين) [الشُّعَرَاء: ١٣٧] وقرىء {خلق} .

وَقل الفَرَّاءُ: من قَرَأَ (خَلْقُ الْأَوَّلين) أَرَادَ اختلافَهم وكذِبَهم، وَمن قَرَأَ {خلق الْأَوَّلين} _ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَى الفرَّاء أَرَادَ عَادَةَ الأوّلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>