قَالَ أَبُو بكر: رجلٌ نقيٌّ مَعْنَاهُ: أنّه مُوقِّ نفسَه من الْعَذَاب بِالْعَمَلِ الصَّالح. وَأَصله من وقيت نَفسِي أقيها.
قَالَ النحويُّون: الأَصْل فِيهِ وَقُويٌ، فأَبدلوا من الْوَاو الأولى تَاء كَمَا قَالُوا مُتَّزِر وَالأصل فِيهِ مُوتزر، وأبدلوا من الْوَاو الثَّانِيَة يَاء وأدغموها فِي الْيَاء الَّتِي بعْدهَا وكسروا الْقَاف لتصبح الْيَاء.
وَقَالَ أَبُو بكر: الِاخْتِيَار عِنْدِي فِي تقيَ أَنه من الْفِعْل فعيلٌ مُدغم، فأدغمت الْيَاء الأولى فِي الثَّانِيَة، الدَّلِيل على هَذَا جمعُهم إيَّاه أتقياءِ، كَمَا قَالُوا وليّ وأَوْلياء.
وَمن قَالَ: هُوَ فعولٌ قَالَ: لما أشبَه فعيلاً جمع كجمعه.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحرَّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: اتّقاه بحقّه يتَّقيه، وتَقاه يَتَّقيه.
وَأنْشد:
زيادتُنا نُعمانَ لَا تنسَيْنها
تَقِ اللَّهَ فِينَا والكتابَ الَّذِي تتلو
وَقَالَ آخر:
وَلَا أَتْقِي الغَيُورَ إِذا رَآنِي
ومِثلي لِزَّ بالحَمِسِ الرَّبِيسِ
وَقَالَ الأصمعيّ: أَنْشدني عِيسَى بن عَمْرو:
جلاها الصَّيْقلون فأَخْلَصُوهَا
خِفافاً كلُّها يَتْقى بأَثْرِ
أَي: كلهَا يستقبلك بفِرِنْدِه.
قلت: اتَّقَّى كَانَ فِي الأَصْل اوْتقى، وَالتَّاء فِيهَا تَاء الافتعال، فأُدْغِمَتْ الواوُ فِي التَّاء وشُدِّدَتْ فَقيل: اتَّقَى ثمَّ حذفوا ألفَ الوَصْل وَالْوَاو المنقلبة تَاء فَقيل تَقَى يَتَقِي بِمَعْنى تَوَقَّى.
وَإِذا قَالُوا: تَقِيَ يَتْقَى فَالْمَعْنى أَنه صَار تقيّاً.
وَيُقَال فِي الأول تقى يَتقَى ويَتْقِي.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس: أَنه سمع ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: واحدُ التُّقى تقاةٌ، مِثل طلاه وطُلى. وَهَذَانِ الحرفان نادران.
قلت: وأصل الْحَرْف وَقَى تِقِي، وَلَكِن التَّاء صَارَت لَازِمَة لهَذِهِ الْحُرُوف فَصَارَت كالأصلية، وَلذَلِك كتبتُها فِي بَاب التَّاء.
والتَّقوى: اسْم، وَمَوْضِع التَّاء وَاو، أَصْلهَا: وَقْوَى وَهُوَ فَعْلَى من وقَيْت.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي قَول الله جلّ وَعز: {إِلَا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمرَان: ٢٨) ، وَقَرَأَ حُميد: (تقِيَّةً) ، وَهُوَ وجهٌ إلَاّ أنّ الأُولى أشهر فِي الْعَرَبيَّة.
والتُّقي يكْتب بِالْيَاءِ.
وَقَالَ الشَّاعِر: