كتبهما، وَلَا يلْحق بهما رجل من أَصْحَاب الزوايا لَا يعرف إلاّ بقَرْيته، وَلَا يوثق بصدقه ومعرفته ونقْلِه الغريبَ الوحشي من نُسْخَة إِلَى نُسْخَة. وَلَعَلَّ النّسخ الَّتِي نقل عَنْهُمَا مَا نَسَخَ كَانَت سقيمة.
وَالَّذِي ادّعاه البشتي من تَمْيِيزه بَين الصَّحِيح والسقيم، ومعرفته الغثَّ من السمين، دَعْوَى. وبعضُ مَا قرأتُ من أول كِتَابه دَلَّ على ضدِّ دَعْوَاهُ.
وَأَنا ذاكرٌ لَك حروفاً صحّفها، وحروفاً أَخطَأ فِي تَفْسِيرهَا، من أوراق يسيرَة كنتُ تصفّحتها من كِتَابه؛ لأثبت عنْدك أَنه مُبْطل فِي دَعْوَاهُ، متشبِّع بِمَا لَا يَفِي بِهِ.
فممّا عثرت عَلَيْهِ من الْخَطَأ فِيمَا ألّف وَجمع، أَنه ذكر فِي (بَاب الْعين والثاء) أَن أَبَا تُرَاب أنْشد:
إنْ تمنعي صَوبَكِ صَوبَ المدمِع
يَجرِي على الخدِّ كضِئْب الثِّعثِعِ
فقيّده البُشتيّ بِكَسْر الثاءين بنَقْطِه، ثمَّ فسر ضِئْب الثّعثِع أَنه شيءٌ لَهُ حب يُزرع. فَأَخْطَأَ فِي كَسره الثاءين، وَفِي تَفْسِيره إِيَّاه. وَالصَّوَاب (الثَّعثَع) بِفَتْح الثاءين، وَهُوَ اللُّؤْلُؤ. قَالَ ذَلِك أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى، وَمُحَمّد بن يزِيد الْمبرد، رواهُ عَنْهُمَا أَبُو عُمر الزَّاهِد. قَالَا: وللثَّعثَع فِي الْعَرَبيَّة وَجْهَان آخرَانِ لم يعرفهما البشتي. وَهَذَا أهوَن. وَقد ذكرتُ الْوَجْهَيْنِ الآخرين فِي موضعهما من (بَاب الْعين الثَّاء) .
وَأنْشد البُشْتيّ:
فبآمرٍ وأخيه مؤتمر
ومُعلِّل وبمطفىء الْجَمْر
قَالَ البشتي: سمِّي أحد أَيَّام الْعَجُوز آمراً لِأَنَّهُ يَأْمر الناسَ بالحذر مِنْهُ.
قَالَ: وسُمّي الْيَوْم الآخر مؤتمراً لِأَنَّهُ يأتمر النَّاس، أَي يُؤذنهم.
قلت: وَهَذَا خطأ مَحْض، لَا يُعرف فِي كَلَام الْعَرَب ائتمر بِمَعْنى آذن. وفسِّر قَول الله عزّ وَجل: {قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلَاَ} (القَصَص: ٢٠) على وَجْهَيْن: أَحدهمَا يَهُمُّون بك، وَالثَّانِي يتشاورون فِيك. وائتمر الْقَوْم وَتَآمَرُوا، إِذا أَمر بَعضهم بَعْضًا. وَقيل لهَذَا مؤتمر لأنَّ الحيّ يؤامر فِيهِ بَعضهم بَعْضًا للظعن أَو المُقام، فَجعلُوا المؤتمر نعتاً لليوم وَالْمعْنَى أَنه مؤتَمَر فِيهِ، كَمَا قَالُوا: ليل نَائِم أَي يُنام فِيهِ، وَيَوْم عاصفٌ يَعصِف فِيهِ الرّيح. وَمثله قَوْلهم: نَهَاره صَائِم، إِذا كَانَ يَصُوم فِيهِ. وَمثله كثيرٌ فِي كَلَامهم.
وَذكر فِي (بَاب الْعين وَاللَّام) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أعللت الإبلَ فَهِيَ عالّة، إِذا أصدرتَها وَلم تُروِها.