قَالَ: كتبتُه حِفظاً عَنهُ.
قلتُ: وحديثُ جَابر يفسِّر لَك الكلالةَ وَأَنه الْوَارِث، لِأَنَّهُ يَقُول: مَرِضتُ مَرضا أشفيت مِنْهُ على الْمَوْت، فأتيتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقلتُ: إِنِّي رجلٌ لَيْسَ يَرثُني إلاّ كلالَة، أَرَادَ أَنه لَا وَالِد لَهُ وَلَا وَلَد.
وذكَر الله جلّ وعزّ: الكلالةَ فِي سُورَة النِّسَاء فِي موضِعين:
أَحدهمَا: قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} (النِّسَاء: ١٢) .
فَقَوله: {يُورَثُ مِن وُرِث يُورَثُ لَا من أُورثَ يُورَثُ.
ونَصَب (كَلَالَة) على الْحَال، الْمَعْنى: وَإِن مَاتَ رجلٌ فِي حَال تَكلُّلِه نسَب ورثَته، أَي: لَا وَالِد لَهُ وَلَا وَلد، وَله أخٌ أَو أختٌ من أمَ، فلكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس، فَجعل الميِّت هَا هُنَا كَلَالَة، وَهُوَ المورِّث، وَهُوَ فِي حَدِيث جابرٍ الْوَارِث.
فكلُّ من مَاتَ وَلَا والدَ لَهُ وَلَا ولد، فَهُوَ كلالةُ وَرَثَتِه.
وكلُّ وارثٍ وَلَيْسَ بوالد لميّتٍ وَلَا ولدٍ لَهُ فَهُوَ كلالةُ مَوْرُوثِه.
وَهَذَا مستوٍ من جِهَة العربيّة، موافقٌ للتنزيل وَالسّنة، وَيجب على أهل الْعلم معرفتُه لِئَلَّا يلتبس عَلَيْهِم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهُ.
والموضع الثَّانِي: مِن كتاب الله جلَّ وعزَّ فِي الكَلالة قَوْله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} (النِّسَاء: ١٧٦) ، الْآيَة، فجَعَل الْكَلَالَة هُنَا الْأُخْت للْأَب والأُمّ، وَالإِخْوَة للْأَب والأمّ؛ فَجعل للْأُخْت الواحدةِ نصفَ مَا تَرَك الميْت، وللأختين الثُّلثَيْنِ، وللإِخوة وَالْأَخَوَات جميعَ المَال بَينهم للذّكر مثل حَظِّ الأُنثيين، وجَعَل للْأَخ وَالْأُخْت من الأمّ فِي الْآيَة الأولى الثُّلُث، لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس، فبيَّنَ سياقُ الْآيَتَيْنِ أنّ الكَلالة تشْتَمل على الْأُخوة للأُمّ مرَّة ومرَّة على الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للْأَب والأمِّ. ودَلَّ قولُ الشَّاعِر أنَّ الأبَ، لَيْسَ من الكَلالة، وأنَّ سَائِر الْأَوْلِيَاء مِن العَصَبةِ بَعد الوَلَد كَلالة، هُوَ قولُه:
فإنّ أَبَا الْمَرْء أحْمَى لَهُ
ومَوْلَى الكَلالَة لَا يَغضَبُ
أَرَادَ أنّ أَبَا الْمَرْء أغضَبُ لَهُ إِذا ظُلم، ومَوالي الْكَلَالَة، وهم الْإِخْوَة والأعمام وَبَنُو الْأَعْمَام وَسَائِر الْقرَابَات، لَا يغضبون للمرء غَضَب الْأَب.
أَبُو عبيد عَن أبي الجرّاح قَالَ: إِذا لم يكنْ ابْن العَمِّ لَحّاً، وَكَانَ رجلا مِن الْعَشِيرَة قَالُوا: هُوَ ابنُ عَمِّي الكلالةُ، وَابْن عَمَ كلَالةً وابنَ عمِّي كَلَالَة.
قلت: وَهَذَا يَدلُّ على أَن العَصَبة وَإِن