بِالتَّخْفِيفِ وَضم الْكَاف.
وَقَالَ: كَانُوا بشرا يَعْنِي الرُّسل يذهبُ إِلَى أَن الرُّسلَ ضَعُفوا فظنُّوا أَنهم قد أُخْلِفُوا.
(قلت) : إنْ صَحَّ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس فَوجْهُهُ عِندي وَالله أعلم أَن الرُّسُلَ خَطَرَ فِي أَوهامِهم مَا يخطُرُ فِي أَوْهامِ البَشَرِ من غير أَن حَقَّقوا تِلْكَ الخواطرَ وَلَا رَكَنُوا إِلَيْهَا وَلَا كَانَ ظنُّهمْ ظَنّاً اطْمأْنُّوا إليهِ، وَلكنه كَانَ خاطراً يَغْلِبهُ اليَقينُ، وَقد رَويْنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تجَاوز اللَّهُ عَن أُمَّتي مَا حَدَّثَتْ بهِ نَفسهَا مَا لم يَنطِقْ بِهِ لِسانٌ أَو تَعْملْهُ يَد) فَهَذَا وجهُ مَا روى ابْن أَبي مُليكة عَن ابْن عباسٍ.
وَقد رُوِيَ عَنهُ فِي تفسيرهَا غَيره.
روى سُفيانُ الثّوري عَن حُصْين بن عمرَان بن الْحَارِث عَن ابْن عَبَّاس أَنه قرأَ (حَتَّى إِذا اسْتيأَسَ الرُّسُل مِنْ قَوْمِهم الإجابةَ وظَنَّ قَوْمُهُمْ أَن الرُّسُلَ قد كَذبتْهُمُ الوعيدَ) .
(قلت) : وَهَذِه الروايةُ أَسلم، وبالظاهِر أَشْبَهُ، وممَّا يُحقِّقُها مَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَيرٍ أَنه قَالَ: (اسْتيْأسَ الرُّسُلُ من قَومهمْ وظنَّ قَومُهمْ أنَّ الرُّسُلَ قد كُذِبُوا جاءَهم نَصْرُنَا) .
وَسَعِيد بن جُبيرٍ أَخذَ التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس، وقرأَ بَعضهم: (وظَنُّوا أَنهم قد كَذَبُوا) أَي ظَنَّ قَوْمُهمْ أَنَّ الرسُلَ قد كَذَبُوهمْ.
(قلت) : وأَصَحَّ الأقاويلِ مَا رَوَينَا عَن عائشةَ، وبقرَاءتها قرأَ أهلُ الْحَرَمَيْنِ وأهلُ البَصْرَةِ وأَهلُ الشامِ.
وَقَول الله جلّ وَعز: {الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} (الْوَاقِعَة: ٢) .
قَالَ الزجاجُ أَي لَيْسَ يَرُدُّها شيءٌ كَمَا تَقول: حَمْلةُ فلانٍ لَا تَكْذِبْ أَي لَا يَرُدُّ حَمْلتَهُ شيءٌ.
قَالَ: وكاذبةٌ مَصدَرٌ كقولكَ: عافاهُ الله عافِيةً، وكذلكَ كَذَبَ كاذِبةً، وهذهِ أَسماءٌ وُضعَتْ مَواضعِ المصادِر.
وَقَالَ الْفراء: فِي قولهِ: {الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} (الْوَاقِعَة: ٢) .
يَقُول: لَيْسَ لَهَا مَرْدُودٌ وَلا رَدٌّ فالكاذبةُ هَا هُنَا مَصْدرٌ.
يُقَال: حَمَلَ فَمَا كذَبَ، وَقَول الله جلّ وعزّ: {أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (النَّجْم: ١١) يَقُول: مَا كَذبَ فُؤَادُ مُحمدٍ مَا رَأَى، يَقُول: قد صَدقَة فؤادُه الَّذِي رَأَى، وقُرىء (مَا كَذَّبُ الفؤادُ مَا رَأَى) وَهَذَا كلَّهُ قَول الفراءِ.
وروى المنذريُّ عَن أَبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قولهِ: {أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (النَّجْم: ١١) أَي لم يَكذِبِ الفؤادُ رُؤيتَهُ، وَمَا رأَى بِمَعْنى الرؤيةِ كقولكَ: مَا أنْكرتُ