للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأما كُفْرُ المعاندة فَهُوَ أَنْ يَعرف بِقَلْبِه ويَقِرَّ بِلِسَانِهِ، ويأْبَى أَنْ يَقبَل ككفْر أَبي طَالب حيثُ يَقُول:

وَلَقَد عَلِمْتُ بأَنَّ ديِنَ محمدٍ

مِن خيرِ أَدْيان البَرِيَّة دينَا

لوْلا المَلامةُ أَو حِذارُ مَسَبَّةٍ

لوَجَدْتَنِي سمْحاً بذاكَ مُبينَا

وَأما كُفر النِّفاق فأَن يَكفر بِقَلْبِه ويقِرَّ بِلِسَانِهِ.

وَقَالَ شمر: وَيكون الْكفْر أَيْضا بِمَعْنى البراءَة كَقَوْل الله جلّ وعزّ حِكَايَة عَن الشَّيْطَان فِي خَطيئته إِذا دخل النَّار {إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} (إِبْرَاهِيم: ٢٢) أَي تبرَّأْتُ.

ورُوي عَن عبد الْملك أنَّهُ كَتب إِلَى سعيد بن جُبَيْرٍ يسأَلُه عَن الكُفْرِ، فَقَالَ: الْكفْر عَلَى وُجوه، فكفْرٌ هُوَ شِرْكٌ يَتَّخِذُ مَعَ الله إِلَهًا آخرَ، وكفرٌ بِكِتَاب الله وَرَسُوله، وَكفر بادِّعاء وَلَدٍ لله، وكفرُ مُدَّعِي الْإِسْلَام، وَهُوَ أَنْ يعملَ أعمالاً بِغَيْر مَا أنزل الله: يَسْعَى فِي الأرضِ فَسَادًا ويقتُل نفسا محرَّمةً بِغَيْر حقَ، ثمَّ نَحْو ذَلِك من الْأَعْمَال.

وكفران أَحدهمَا يَكفر بنعمةِ الله، وَالْآخر التَّكْذِيب بِاللَّه.

وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (النِّسَاء: ١٣٧) .

قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج: قيل فِيهِ غيرُ قَوْلٍ، قَالَ بَعضهم: يَعْنِي بِهِ اليهودَ لأَنهم آمنُوا بمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمّ كفرُوا بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمّ ازدَادُوا كفرا بِكفرِهم بمحمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وجائزٌ أنْ يَكونَ مُحاربٌ آمن ثمّ كَفَرَ ثمّ آمنَ ثمّ كَفَرَ.

وَقيل جائزٌ أنْ يَكون منافقٌ أَظْهَر الإيمانَ وأَبطَنَ الكفرَ ثمّ آمن بَعْدُ ثمّ كفر وازداد كفرا بإقامتِه عَلَى الكُفْرِ.

قَالَ فَإِن قَالَ قائلٌ: إِن الله جلّ وعزّ: لَا يَغْفِرُ كفرَ مرّةٍ واحدةٍ، فلِمَ قيل هَا هُنَا فِيمَن آمنَ ثمَّ كفر ثمّ آمن ثمَّ كفر: {لَّمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} وَمَا الفائدةُ فِي هَذَا؟ فَالْجَوَاب فِي هَذَا وَالله أعلم أَن اللَّهَ يغْفر للْكَافِرِ إِذا آمَنَ بَعْدَ كفرِه، فإِن كَفَرَ بعد إيمَانه لمْ يَغفر الله لَهُ الْكفْر الأوَّل، لأنّ اللَّه جلّ وعزّ يَقبل التَّوبة، فَإِذا كفر بَعْد إيمانٍ قبلَه كفر فَهُوَ مُطالَبٌ بِجَمِيعِ كفرِه، وَلَا يجوزُ أنْ يكونَ إِذا آمنَ بعد ذَلِك لَا يُغفَر لَهُ، لأنّ الله يَغفرُ لكلِّ مُؤمن بعد كفره.

وَالدَّلِيل على ذَلِك قولُه تَعَالَى: {الصُّدُورِ وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (الشورى: ٢٥) وَهَذَا سيئةٌ بِالْإِجْمَاع.

وَقَوله جلّ وَعز: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>