وَأما قَول الله جلّ وَعز: {مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} (فاطر: ٢٧) فإنّ الْفراء قَالَ: الجُدَدُ: الخُطَطُ والطُّرُقُ تكونُ فِي الجبالِ، خُطَطٌ بيضٌ وسودٌ وحمرٌ، كالطُّرُقِ تكونُ فِي الْجبَال، واحدُها: جُدّةٌ.
وَأنْشد قَول امرىء الْقَيْس:
كأنّ سَرَاتَهْ وَجُدَّة مَتْنِه
كَنَائنُ يَجْرِي فوْقهُنَّ دليصُ
قَالَ: والجُدَّةُ: الخُطَّةُ السوداءُ فِي مَتْنِ الحمارِ، والدّليصُ: الَّذِي يَبْرُقُ.
وَقَالَ الزجاجُ: كلَّ طريقةٍ: جُدّةٌ، وجادّةٌ.
(قلت) : وجادّةُ الطريقِ: سُمِّيتْ جادّةً لِأَنَّهَا خُطَّةٌ مستقيمةٌ مَلْحُوبةٌ وجمعُها: الجوَادُّ بتَشْديد الدَّال.
وَقَالَ اللَّيْث فِي كِتَابه: الجادّةُ تخُفَّفَ وتُثَقَّلُ، أما المُخفَّفُ فاشتقاقه من الجَوَادِ إِذا أَخْرَجَه على فعله.
قَالَ: والمُشَدَّدُ: مَخْرَجُهُ من الطَّرِيق الجَدَدِ الْوَاضِح.
(قلت) : وَقد غلط اللَّيْث فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا، أما التَّخْفِيف فِي الجَادَةِ فَمَا علمت أحدا من أئمةِ اللُّغَة أجَازه، وَلَا يجوزُ أَن يكون فعلةً من الجَوَادِ بِمَعْنى السَّخِيِّ.
وَأما قَوْله: إِنَّه إِذا شُدّدَ فَهُوَ من الأَرْض الجَدَد فَغير صَحِيح، إِنَّمَا سُمِّيت المحجة المَسْلُوكةُ جادّةً لِأَنَّهَا ذاتُ جُدَّةٍ، وجُدّةٍ وَهِي طرقاتُها، وشَرَكُها المُخطَّطَةُ فِي الأَرْض، كَذَلِك قَالَ الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ فِي قَول الرَّاعِي:
فأصْبَحَت الصَّهْبُ العِتاقُ وَقد بدا
لهُنّ المَنارُ والجوادُ اللَّوائحُ
أَخطَأ الرَّاعِي حِين خفف الجوادّ وَهُوَ جمع الجادَّة من الطُّرُق الَّتِي بهَا جُدَدٌ.
والجُدّةُ أَيْضا: شاطىءُ النَّهر، إِذا حذفوا الْهَاء كسروا الْجِيم فَقَالُوا: جِدٌّ، وجُدّةٌ وَمِنْه: الجُدّة: سَاحل الْبَحْر بحذاء مكَّة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: كُنَّا عِنْدَ جِدَّةِ النَّهْرِ بِالْهَاءِ، وأَصْلُهُ نَبَطِيٌّ: كِدٌّ فأُعْرِبَ.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عمرٍ وكُنَّا عِنْد أَمِير، فَقَالَ جَبَلَةُ بنُ مَخْرَمَة: كُنَّا عِنْدَ جِدِّ النَّهْرِ، فقلتُ: جِدَّةُ النَّهْرِ، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فيهِ.
والجِدُّ بِلَا هاءٍ: البِئْرُ الجيِّدَةُ الموضعِ مِنَ الكَلأ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للْأَرْض المُسْتَويةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رَمْلٌ وَلَا اختلَافٌ: جَدَدٌ.
(قلت) : والعربُ تَقول: هَذَا طَرِيقٌ جَدَدٌ إِذا كَانَ مستوياً، لَا حدَبَ فِيهِ وَلَا وُعُوثَة.
وَهَذَا الطريقُ أَجدُّ الطريقينِ أَي أَوْطؤُهُمَا وأشدُّهُما اسْتِوَاء، وأقَلُّهُما عُدَوَاءَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَجَدَّ الرَّجُلُ فِي أَمْرِه يُجِدُّ إذَا بلغَ فِيهِ جِدَّه، وجدَّ: لُغَةٌ، وَمِنْه