للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيُقَال أبضَعْت بضَاعَة للْبيع كائنة مَا كَانَت.

بعض: قَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة مُؤمن آل فِرْعَوْن وَمَا أجراه على لِسَانه فِيمَا وعظَ بِهِ آل فِرْعَوْن: {رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: ٢٨) . أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أنّه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله: {صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: ٢٨) ، قَالَ: كل الَّذِي يَعدكُم، أَي إِن يكنْ مُوسَى صَادِقا يُصبْكم كل الَّذِي ينذركم ويتوعّدكم بِهِ، لَا بعضٌ دونَ بعض، لأنّ ذَلِك من فعل الكُهَّان، وأمّا الرُّسُل فَلَا يُوجد عَلَيْهِم وعدٌ مَكْذُوب. وَأنْشد:

فياليتَه يُعفَى ويُقرِعُ بَيْننَا

عَن الْمَوْت أَو عَن بعض شكواه مُقْرِعُ

لَيْسَ يُرِيد عَن بعض شكواه دونَ بعض، بل يُرِيد الكلّ، وَبَعض ضدُّ كلّ. وَقَالَ ابْن مُقْبل يُخَاطب ابنَتيْ عَصَر:

لَوْلَا الحياءُ وَلَوْلَا الدِّين عِبتُكما

بِبعض مَا فيكما إذْ عِبْتُما عَوَري

أَرَادَ: بكلّ مَا فيكما، فِيمَا يُقَال.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: ٢٨) : من لطيف الْمسَائِل أَن النبيَّ ج إِذا وعَدَ وَعدا وقعَ الوعدُ بأسْره وَلم يقعْ بعضُه، فَمن أَيْن جَازَ أَن يَقُول بعضُ الَّذِي يَعدكُم، وحقُّ اللَّفْظ كلّ الَّذِي يعدِكم. وَهَذَا بابٌ من النّظر يذهب فِيهِ المُناظِر إِلَى إِلْزَام الحجّة بأيسر مَا فِي الْأَمر. وَلَيْسَ فِي هَذَا نفيُ إِصَابَة الكلّ وَمثله قَول القطاميّ:

قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حَاجته

وَقد يكون مَعَ المستَعْجِلِ الزَّلَلُ

وإنّما ذكر الْبَعْض ليوجب لَهُ الكلّ، لَا أنَّ البعضَ هُوَ الكلّ، ولكنّ الْقَائِل إِذا قَالَ أقلّ مَا يكون للمتأني إِدْرَاك بعض الْحَاجة، وَأَقل مَا يكون للمستعجل الزَّلَل، فقد أبانَ فضلَ المتأنّي على المستعجل بِمَا لَا يقدر الخصمُ أَن يدفعَه. وكأنَّ مُؤمنَ آل فِرْعَوْن قَالَ لَهُم: أقلُّ مَا يكون فِي صدقه أَن يُصِيبكُم بعضُ الَّذِي يَعدكُم.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: أجمعَ أهلُ النَّحْو على أنّ البعضَ شيءٌ من أَشْيَاء، أَو شَيْء من شَيْء، إلاّ هشاماً، فَإِنَّهُ زعم أَن قَول لبيد:

أَو يعتلقْ بعضَ النُّفوسِ حِمَامُها

فادّعى وَأَخْطَأ أنّ الْبَعْض هَاهُنَا جمع. وَلم يكن هَذَا من عمله، وإنّما أَرَادَ لبيد بِبَعْض النُّفُوس نَفسه. قَالَ: وَأما جزم (أَو يعتلقْ) فإنّه ردّه على معنى الْكَلَام الأوّل وَمَعْنَاهُ جَزَاء، كأنّه قَالَ: وَإِن أخرجْ فِي طلب المَال أُصبْ مَا أمّلت أَو يعتلق الموتُ نَفسِي. وَقَالَ فِي قَوْله: {صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: ٢٨) إنَّه كَانَ وعدَهم شَيْئَيْنِ من الْعَذَاب: عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة، فَقَالَ: يصبكم هَذَا العذابُ فِي الدُّنيا، وَهُوَ بعضُ الوعدَين، من غير أَن نَفَى عذابَ الْآخِرَة.

وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال إنّ بعض الْعَرَب تصل ببعضٍ كَمَا تصل بِمَا. من ذَلِك قَول الله:

<<  <  ج: ص:  >  >>