مَاء ثجاجاً) [النّبأ: ١٤] رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: المُعْصِرات: هِيَ الرِّيَاح. قَالَ الْأَزْهَرِي: سمّيت الرِّيَاح مُعْصِرات إِذا كَانَت ذواتِ أعاصِير، وَاحِدهَا إعصار، من قَول الله جلّ وعزَّ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} (الْبَقَرَة: ٢٦٦) . والإعصار: هِيَ الرّيح الَّتِي تَهُبُّ من الأَرْض كالعَمُود الساطع نَحْو السَّمَاء، وَهِي الَّتِي يسمّيها بعض النَّاس الزّوْبَعة، وَهِي ريح شَدِيدَة، لَا يُقَال لَهَا إعصار حَتَّى تَهُبّ كَذَلِك بِشدَّة. وَمِنْه قَول الْعَرَب فِي أَمْثَالهَا:
إِن كنتَ ريحًا فقد لاقيتَ إعصارا
يضْرب مَثَلاً للرجل يَلْقَى قِرْنه فِي النَجْدة والبَسَالة. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ يُقَال: إعصار وعِصَار، وَهُوَ أَن تَهيج الريحُ الترابَ فترفعه. وَقَالَ أَبُو زيد: الإعصار: الرّيح الَّتِي تَسْطَع فِي السَّمَاء. وَجمع الإعصار الأعاصير، وَأنْشد الأصمعيّ:
وبينما المرءُ فِي الْأَحْيَاء مغتبِط
إِذا هُوَ الرَمْس تعفوه الأعاصير
وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَالَ فِي قَوْله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ} : (النبأ: ١٧) إِنَّهَا السَّحَاب. قلت: وَهَذَا أشبه بِمَا أَرَادَ الله جلَّ وعزَّ؛ لِأَن الأعاصير من الرِّيَاح لَيست من ريَاح الْمَطَر، وَقد ذكر الله أَنه يُنزل مِنْهَا مَاء ثجاجاً.
الْعَصْر: الْمَطَر، قَالَ ذُو الرمة:
وتَبْسِم لَمْع الْبَرْق عَن متوضّح
كلون الأقاحي شاف ألوانَها العَصْرُ
وقولُ النَّابِغَة:
تَنَاذرها الراقُون من سُوء سمّها
تراسلهم عصراً وعصراً تراجع
عصراً أَي مرّة. والعُصَارة: الغَلَّة. وَمِنْه يقْرَأ. {وَفِيه تَعْصِرون (يُوسُف: ٤٩) أَي تستغلون. وعَصَر الزَّرْع: صَار فِي أكمامه. والعَصْرة شَجَرَة. وَقَالَ الفرّاء. السحابة المُعْصِر: الَّتِي تتحلّب بالمطر وَلما تَجْتَمِع، مثل الْجَارِيَة المعصر قد كَادَت تحيض وَلما تحِضْ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: المعصِرات: السحائب، لِأَنَّهَا تُعْصِر المَاء. وَقيل مُعْصِرات كَمَا يُقَال: أجزَّ الزرعُ إِذا صَار إِلَى أَن يُجَزَّ، وَكَذَلِكَ صَار السَّحَاب إِلَى أَن يمطر فيعصر. وَقَالَ البَعِيث فِي المعصرات فَجَعلهَا سحائب ذَوَات الْمَطَر فَقَالَ:
وَذي أُشُر كالأُقحوان تشوفُه
ذِهابُ الصَّبَا والمُعْصِرات الدوالحُ
والدوالح من نعت السَّحَاب لَا من نعت الرِّيَاح، وَهِي الَّتِي أثقلها المَاء فَهِيَ تَدْلَحُ أَي تمشي مشي المُثْقَل، والذِهاب الأمطار. وَقَالَ بَعضهم: المعصِرات، الرِّيَاح. قَالَ: و (مِنَ) فِي قَوْله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ} (النبأ: ١٤) قَامَت مقَام الْبَاء الزَّائِدَة، كَأَنَّهُ قَالَ: وأنزلنا بالمعصرات مَاء ثَجَّاجاً. قلت: وَالْقَوْل هُوَ الأول. وأمَّا مَا قَالَه الفرّاء فِي المُعْصِر من الْجَوَارِي: إِنَّهَا الَّتِي دنت من الْحيض ولمَّا تحِض فَإِن أهل اللُّغَة خالفوه فِي تَفْسِير المعصر، فَقَالَ أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: إِذا أدْركْت الجاريةُ فَهِيَ مُعْصِر، وَأنْشد:
قد أعصرت أَو قد دنا إعصارها