للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَول الله جلَّ وعزّ: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الاُْخْرَى} (الْبَقَرَة: ٢٨٢) . وقُرىء (إنْ تَضِلَّ) بِالْكَسْرِ، فَمن كسر (إنْ) فَالْكَلَام على لَفْظ الْجَزَاء وَمَعْنَاهُ.

وَقَالَ الزَّجاج: الْمَعْنى فِي (إِن تضلّ) : إنْ تَنْسَ إِحْدَاهمَا تُذَكِّرْها الْأُخْرَى الذاكرة.

قَالَ: وتُذَكِّرُ وتُذْكِرُ، رفعٌ مَعَ كسر (إنْ) لَا غير. وَمن قَرَأَ {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهمَا فتذكِّرَ، وَهِي قِرَاءَة أَكثر النَّاس.

قَالَ: وَذكر الْخَلِيل وسيبويه أَن الْمَعْنى: اسْتَشهِدُوا امرأَتَين، لِأَن تُذَكّرَ إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى، وَمن أجل أَن تُذَكّرها.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَإِن قَالَ إِنْسَان: فلمَ جَازَ أَن تضِلَّ، وَإِنَّمَا أُعِدَّ هَذَا للإذكار، فَالْجَوَاب عَنهُ أنّ الإذكار لما كَانَ سبَبُه الإضلال، جَازَ أَن يذكر أَن تَضِلَّ، لِأَن الإضلال هُوَ السَّبَب الَّذِي بِهِ وَجب الإذْكار. قَالَ: ومثلُه أَعْدَدْتُ هَذَا أَن يَمِيلَ الْحَائِط فأَدْعَمه، وَإِنَّمَا أَعْدَدْتُه للدَّعْم، لَا للميل؛ وَلَكِن الْميل ذُكِرَ، لِأَنَّهُ سَبَب الدَّعْم، كَمَا ذكر الإضلال، لِأَنَّهُ سَبَب الإذكار، فَهَذَا هُوَ الْبَيِّن إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَقَوله: عزّ وجلّ: تَشْكُرُونَ وَقَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - اْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الَاْرْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} (السَّجْدَة: ١٠) . مَعْنَاهُ: أإذا مِتْنَا وصِرْنا تُراباً وعِظاماً، فضللنا فِي الأَرْض فَلم يتبيَّن شيءٌ من خَلْقِنا.

وَقَوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} (إِبْرَاهِيم: ٣٦) .

قَالَ الزّجاجُ: أَي ضَلُّوا بِسَبَبِهَا، لِأَن الأصْنام لَا تعقل وَلَا تفعل شَيْئا، كَمَا تَقول: قد فتَنَتَنِي. وَالْمعْنَى: إِنِّي أحببتها، وافْتَتَنتُ بِسَبَبِهَا.

وَقَوله جلّ وعزّ: {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَن يُضِلُّ} (النَّحْل: ٣٧) .

قَالَ الزّجاج: هُوَ كَمَا قَالَ جلّ وعزّ: {مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} (الْأَعْرَاف: ١٨٦) .

قلت: والإضلال فِي كَلَام الْعَرَب ضدّ الهِدَاية والإرشاد. يُقَال: أَضللْتُ فلَانا، إِذا وجهتَه للضلال عَن الطَّرِيق، وإياه أَرَادَ لبيد:

مَنْ هداه سُبُلَ الخَيْرِ اهْتَدَى

ناعِمَ البالِ وَمن شَاءَ أَضلّ

وَقَالَ لبيد هَذَا فِي جاهليته، فَوَافَقَ قَوْله التَّنْزِيل يُضلّ مَنْ يَشَاء، وللاضلال فِي كَلَام الْعَرَب معنى آخر.

يُقَال: أَضللْتُ الميِّتَ، إِذا دَفَنْتَهُ.

وَقَالَ المخَبَّلُ:

أَضلَّتْ بَنو قَيْسِ بن سَعْدٍ عَميدَها

وفارِسَها فِي الدَّهْرِ قَيْسَ بن عَاصِم

وَقَالَ النَّابِغَة:

فَآبَ مُضِلُّوهُ بعَيْنٍ جَلِيّةٍ

وغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ ونائِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>