للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا الحَدِيث فِيمَا رَدَّ على أبي عُبَيد، وَقَالَ: اضْطربَ قولُ أبي عبيد، لِأَنَّهُ زعم أَن الأعصم هُوَ الْأَبْيَض الْيَدَيْنِ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الْوَصْف فِي الغِربان عَزِيز لَا يكَاد يُوجد وَإِنَّمَا أرجلها حمر، فَذكر مرّة الْيَدَيْنِ ومرّة الأرجل. قلت: وَقد جَاءَ الْحَرْف مفسَّراً فِي خبر أظنّ إِسْنَاده صَالحا، حدّثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا الرماديّ حدَّثنا الْأسود ابْن عَامر حدّثنا حمَّاد بن سَلَمة عَن أبي جَعْفَر الخَطْمِيّ عَن عُمَارة بن خُزيمة قَالَ: بَينا نَحن مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ فَعدل وعدلنا مَعَه حَتَّى دَخَلنَا شِعْباً، فَإِذا نَحن بِغربان وفيهَا غراب أعصم أَحْمَر المنقار وَالرّجلَيْنِ، فَقَالَ عَمْرو: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يدْخل الجنَّة من النِّسَاء إلَاّ قَدْرُ هَذَا الْغُرَاب فِي هَؤُلَاءِ الْغرْبَان قلت فقد بَان فِي هَذَا الحَدِيث أَن معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إلاّ مثل الْغُرَاب الأعصم) أَنه أَرَادَ الْأَحْمَر الرجلَيْن لقلّته فِي الْغرْبَان، لِأَن أَكثر الْغرْبَان السُود والبُقْع. ورُوي عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: الْغُرَاب الأعصم: الْأَبْيَض الجناحين. وَالصَّوَاب مَا جَاءَ فِي الحَدِيث المفسَّر. وَالْعرب تجْعَل الْبيَاض حمرَة فَيَقُولُونَ للْمَرْأَة الْبَيْضَاء اللَّوْن: حَمْرَاء، وَلذَلِك قيل للأعاجم: حُمْر لغَلَبَة الْبيَاض على ألوانهم. وأمَّا الأعصم من الظباء والوُعُول فَهُوَ الَّذِي فِي ذِرَاعَيْهِ بَيَاض، قَالَه الأصمعيّ وَغَيره. وأمَّا العُصْمة فِي الْخَيل فَإِن أَبَا عُبيدة قَالَ: إِذا كَانَ الْبيَاض بيدَيْهِ دون رجلَيْهِ فَهُوَ أعصم، فَإِذا كَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ دون الْأُخْرَى قيل: أعصم الْيُمْنَى أَو اليُسرى. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأعصم: الَّذِي يُصِيب البياضُ إِحْدَى يَدَيْهِ فَوق الرُسْغ. وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا ابيضَّت الْيَد فَهُوَ أعصم. وَقَالَ ابْن المظفَّر: العُصْمة: بَيَاض فِي الرُّسْغ. قَالَ: والأعصم: الوَعِل، وعُصْمته: بَيَاض شِبْه زَمَعة الشَّاة فِي رجل الوَعِل فِي مَوضِع الزَّمَعة من الشَّاء. قَالَ: وَيُقَال للغراب: إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ أَبيض، وقلَّما وجد فِي الْغرْبَان كَذَلِك. قلت: وَهُوَ الَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي نعت الوَعِل أَنه شِبْه الزَمَعة تكون فِي الشَّاء مُحال، إِنَّمَا عُصْمة الأوعال بَيَاض فِي أذرعها لَا فِي أوظفتها، والزَمَعة إِنَّمَا تكون فِي الأوظفة. وَالَّذِي يغيّره اللَّيْث من تَفْسِير الْحُرُوف أَكثر مِمَّا يغيّره من صُوَرها، فَكُن على حذَر من تَفْسِيره؛ كَمَا تكون على حَذَر من تصحيفه. وَقَالَ اللَّيْث: أعصام الْكلاب: عَذَباتها الَّتِي فِي أعناقها، الْوَاحِدَة عَصَمة، وَيُقَال: عِصَام، قَالَ لبيد:

خُضْعا دواجنَ قَافِلًا أعصامُها

وَقَالَ أَبُو عبيد: العِصَام: رِبَاط القِرْبة. قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: أعصمْتُ الْقرْبَة إِذا شددتها بالوِكَاء. قلت: وَالْمَحْفُوظ من الْعَرَب فِي عُصُم المَزَاد أَنَّهَا الحِبَال الَّتِي تُنْشَب فِي خُرَب الروايا وتُشدّ بهَا إِذا عُكِمت على ظهر الْبَعِير، ثمَّ يُرَوَّى عَلَيْهَا بالرِّوَاء، وَالْوَاحد عِصَام. فأمَّا الوِكاء فَهُوَ الشَرِيط الدَّقِيق أَو السَيْر الوثيق يُوكَى بِهِ فمُ القِرْبة والمَزَادة. وَهَذَا كلّه صَحِيح لَا ارتياب فِيهِ. وَقَالَ اللَّيْث: عِصام الدَلْو:

<<  <  ج: ص:  >  >>