ذَلِك الطائرَ الَّذِي يَخرج من هَامة الميّت إِذا بَلِيَ: الصَّدَى، وجمعُه أَصْداء.
وَقَالَ أَبُو دُوَاد:
سُلِّط الموتُ والمَنونُ عليهمْ
فلهمْ فِي صَدَى المَقابر هامُ
وَقَالَ لَبيد:
فليسَ الناسُ بَعدَك فِي نَقيرٍ
وَلَيْسوا غيرَ أَصْداءٍ وَهَامِ
وَالثَّالِث: الصَّدَى: الذَّكَر من البُوم، وَكَانَت الْعَرَب تَقول: إِذا قتل قتيلٌ فَلم يُدرَكْ بِهِ الثَّأْر خَرَجَ من رَأسه طائرٌ كالبُومة، وَهِي الهامة، والذَّكَر الصَّدَى فَيَصِيح على قَبره: اسقُوني اسقوني، فَإِن قُتِل قاتلُه كَفّ عَن صِيَاحِه، وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
أَضْرِبْكَ حتّى تَقولَ الهامةُ اسقُونِي
وَالرَّابِع: الصَّدَى: مَا يَرجِعُ من صَوت الْجَبَل، وَمِنْه قولُ امرىء الْقَيْس يصف دَارا دَرَسَتْ:
صَمَّ صَداها وَعَفَا رَسْمُها
واستَعْجَمتْ عَن منطقِ السّائلِ
وَالْعرب تَقول:
صُمّي ابْنة الْجَبَل
مهما يُقَل تَقُلْ
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحمّادي عَن ابْن أخي الأصمعيّ عَن عَمه قَالَ: العَرَب تَقول: الصَّدَى فِي الهامة، والسَّمْعُ فِي الدِّماغ، أَصمّ الله صداه من هَذَا.
وأنشدني أَبُو الْفضل عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشد لسدوس بن ضباب:
إِنِّي إِلَى كل أيسار ونَادبة
أَدْعُو حُبَيشاً كَمَا تَدْعُو ابْنة الْجَبَل
أَي: أنوّه كَمَا ينوّه بابنة الْجَبَل.
وَقيل: ابْنة الْجَبَل هِيَ الْحَيَّة. وَقيل: هِيَ الداهية الْعَظِيمَة.
وَالْبَيْت الَّذِي يَلِيهِ يحقّق هَذَا القَوْل الأول:
إِن تَدَعْه مَوْهناً بجابته
عاري الأشاجع يسْعَى غير مشتَمِل
يَقُول: يعجل حُبَيْش بجابته كَمَا تعجل الصدى، وَهُوَ صَوت الْجَبَل.
وَقَالَ المبرّد: والصَّدَى أَيْضا العطَشُ.
يُقَال: صَدِي الرجل يَصْدَى صدًى فَهُوَ صدٍ وصادٍ وصيدان، وَأنْشد:
ستعلم إِن متْنا غَدا أيّنا الصّدِي
وَقَالَ غَيره: الصدَى: الْعَطش الشَّديد. وَيُقَال: إِنَّه لَا يشتدّ حَتَّى يَيْبَسَ الدِّماغ. وَلذَلِك تَنْشَقُّ جِلْدةُ جبهة من يَمُوت عَطَشاً.
وَيُقَال: امرأةٌ صَدْيَا وصادِيةٌ.
والصَّدَى: السادسُ: قولُهم: فلانٌ صَدَى مالٍ: إِذا كَانَ رَفِيقًا بسياستها.