قَالَ أَبُو عُبَيد: الصَّوْر: جِماع النّخل، وَلَا واحدَ لَهُ من لقطه، وَهَذَا كَمَا يُقَال لجَماعَة الْبَقر: صُوار.
وَقَالَ اللَّيْث: الصُّوارُ والصِّوارُ: القطيع من الْبَقر، وَالْعدَد أَصْوِرة، والجميع صِيرَان. وأَصوِرَة المِسْك: نافقاتُه.
أَبُو عُبَيد عَن الأمويّ: يُقَال: صرعه فتجوّرَ وتَصَوَّر: إِذا سَقَطَ.
وأَخبرَني المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَول الله: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ} (الْكَهْف: ٩٩) : اعْترض قوم فأنكروا أَن يكون الصُّورُ قَرْناً، كَمَا أَنكَروا العرشَ والمِيزان والصراط، وادَّعَوْا أَن الصُّور جمع الصُّورَة، كَمَا أَن الصُّوف جمع الصوفة، والثُّوم جمع الثُّومة، ورَوَوْا ذَلِك عَن أَبي عُبَيدة.
قَالَ أَبو الْهَيْثَم: وَهَذَا خطأٌ فَاحش، وتحريفٌ لكلِم الله عَن موَاضعهَا، لِأَن الله جلّ وَعز قَالَ: {بِنَآءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ} (غَافِر: ٦٤) ، بِفَتْح الْوَاو، وَلَا نعلَم أَحداً من الْقُرَّاء قرأَها: (فأحْسَن صُورَكم) ، وَكَذَلِكَ قَالَ الله: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ} (الْكَهْف: ٩٩) فَمن قرأَها (ونُفخ فِي الصُّوَر) أَو قَرَأَ: (فَأحْسن صُوْرَكم) فقد افترَى الكَذِب وبدّل كتابَ الله، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة صاحبَ أخبارٍ وغريب، وَلم يكن لَهُ معرفَة بالنحو.
وَقَالَ الْفراء: كلُّ جمعٍ على لفظ الْوَاحِد الذكَر سبق جمعُه واحدتَه، فواحدتُه بِزِيَادَة هَاء فِيهِ، وَذَلِكَ مثل الصُّوف والوَبر والشعَر والقطْن والعشب، فكلّ وَاحِد من هَذِه الْأَسْمَاء اسمٌ لجَمِيع جنسه، فَإِذا أُفْرِدتْ واحدتُه زيدتْ فِيهَا هَاء، لِأَن جميعَ هَذَا الْبَاب سبق واحدتَه، وَلَو أَن الصوفةَ كَانَت سَابِقَة للصوف لقالوا: صوفَةٌ وصُوَف، وبُسْرَةٌ وبُسَر، كَمَا قَالُوا: غُرْفة وغُرَف، وزُلْفَة وزُلَف.
وَأما الصُّورُ القَرْنُ فَهُوَ وَاحِد لَا يجوز أَن يُقَال واحدتُه صورَة، وَإِنَّمَا تُجمع صُورَة الْإِنْسَان صُوَراً، لِأَن واحدتَه سبقتْ جَمْعَه.
فالمصوِّر من صِفَات الله تَعَالَى لتصويره صوَر الْخلق. وَرجل مصوَّر إِذا كَانَ معتدل الصُّورَة. ورحل صيّر: حسن الصُّورَة والهيئة.
ورَوَى سُفْيانُ عَن مُطرّف عَن عطيّة عَن أبي سعيد الخدرِي قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَيفَ أَنْعَمُ وصاحِبُ القَرْن قد التَقَم القَرْن، وحَتى جَبْهَته وأَصْغَى سَمعه ينْتَظر مَتى يُؤمَر) ، قَالُوا: فَمَا تأمُرنا يَا رَسُول الله، قَالَ: (قُولُوا حسْبُنا الله وَنعم الْوَكِيل) .
قلتُ: قد احتجَّ أَبُو الهَيْثم فأحسَنَ الِاحْتِجَاج، وَلَا يَجوز عِنْدِي غيرُ مَا ذَهَب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute