للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: إِنَّمَا قيل للدّيغِ سَلِيم لِأَنَّهُ أُسْلِمَ لِما بِهِ.

قلت: وأمّا قولُ اللّيث: السَّلْم: اللَّدْغ فَهُوَ من غُدَدِ اللّيث، وَمَا قَالَه غَيره. ورُوِي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (على كلّ سُلامَى من أَحَدِكم صَدَقة، ويُجْزِىء من ذَلِك رَكْعتان يصلِّيهما مِنَ الضُّحى) . قَالَ أَبُو عُبَيد السُّلَامَى فِي الأَصْل عَظْم يكون فِي فِرْسِنِ البَعِير، وَيُقَال: إنَّ آخِرَ مَا يَبْقَى فِيهِ المُخّ من الْبَعِير إِذا عَجُف فِي السُّلَامى وَفِي الْعين، وَأنْشد:

لَا يَشْتَكِينَ عَمَلاً مَا أَنْقَيْن

مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلامَى أَوْ عَيْن

قَالَ: فكأَنَّ معنى الحَدِيث: إِن على كلّ عَظْم من عِظَام ابْنِ آدمَ صَدَقة، والرّكعتان تجزئان من تِلْكَ الصَّدَقَة.

وَقَالَ اللَّيْث: السُلامَى: عِظامُ الْأَصَابِع والأشاجعُ والأكارعُ، وَهِي كعابِرُ كأَنّها كِعَابٌ، والجميعُ سُلَامِيّات.

وَقَالَ شَمِر: قَالَ ابنُ شُمَيل فِي القَدَم قَصَبُهَا وسُلامِيَاتُهَا. وَقَالَ: عِظام القَدَم كلُّها سُلَاميَات، وقَصَبُ عِظام الْأَصَابِع أَيْضا سُلَامِيَات، والواحدة سُلَامَى. قَالَ: وَفِي كل فِرْسِنٍ سِتُّ سُلَامِيَات ومَنْسِمان وأظَلُّ.

الحَرّاني عَن ابْن السكّيت: استلأَمتً الحَجَر بِالْهَمْز، وإنّما هُوَ من السِّلام من الْحِجَارَة، وَكَانَ الأَصْل اسْتَلَمْت. وَقَالَ غَيره: اسْتِلام الحَجَر افْتِعالٌ فِي التَّقْدِير، مأخوذٌ من السِّلام وَهِي الْحِجَارَة، واحدتها سَلِمة؛ تَقول: استَلمْتُ الحجَر: إِذا لَمَسْتَه من السّلِمة، كَمَا تَقول: اكْتَحَلْتُ من الكُحْل.

قلتُ: وَهَذَا قولُ القُتَيْبيّ، والّذي عِنْدِي فِي استلام الحجَر أنّه افتعالٌ من السَّلام وَهُوَ التَّحِيَّة، واستلامُه لَمْسُه باليَدِ تحرّياً لقَبُول السّلام مِنْهُ تبُرُّكاً بِهِ؛ وَهَذَا كَمَا يُقَال: اقْترأْتُ مِنْهُ السَّلام، وَقد أَمْلَى عَلَيَّ أعرابيٌّ كِتَاباً إِلَى بعض أهاليه فَقَالَ فِي آخرِه: اقتَرِىءْ منّي السّلام، وممّا يدلّك على صِحَة هَذَا القَوْل أنَّ أهْلَ اليَمَن يسمُّون الرُّكْنَ الأسوَد المُحَيَّا، مَعْنَاهُ: أنَّ النّاس يحيُّونه بالسَّلام فافهَمْه.

وَأما الْإِسْلَام فإنّ أَبَا بكر محمّد بنَ بشّار قَالَ: يُقَال: فلانٌ مُسْلِم، وَفِيه قَولَانِ: أحدُهما: هُوَ المُستَسْلِم لأمر الله، وَالثَّانِي: هُوَ المُخلِص لله العبادةَ، من قولِهم: سَلَّمَ الشيءَ لفلانٍ، أَي: خَلَّصَه، وسَلِمَ لَهُ الشَّيْءُ، أَي: خَلَّصَ لَهُ.

ورُوِيَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) .

قلتُ: فَمَعْنَاه: أنّه دَخل فِي بَاب السّلامة حتّى يَسلَمَ الْمُؤمنِينَ من بَوَائِقِه، وَحدثنَا عبد الله بن عُرْوَة قَالَ: حَدثنَا زِيَاد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>