وتسوّرته: إِذا عَلَوْتَهُ.
وَأما السُّورة من الْقُرْآن فَإِن أَبَا عُبَيدة زعم أَنه مُشْتَقّ من سُورَة البِناء.
قَالَ: والسُّورة: عِرْقٌ من أعراق الْحَائِط وَيجمع سُوَراً، وَكَذَلِكَ الصُّورة تُجْمَعُ صوراً، وَاحْتج أَبُو عُبَيدة بقول العجاج:
سُرْتُ إِلَيْهِ فِي أعالي السُّورِ
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه ردّ على أبي عُبَيْدَة قَوْله وَقَالَ: إِنَّمَا تُجمع فُعلة عَلَى فعل بِسُكُون الْعين إِذا سبق الْجمع الْوَاحِد، مثل صُوفة وصُوف. وَسورَة الْبناء وسورٌ، فالسُّور جمع سبق وُحدانه فِي هَذَا الْموضع جَمعُهُ قَالَ الله تَعَالَى: {نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ} (الْحَدِيد: ١٣) .
قَالَ: والسُّور عِنْد الْعَرَب: حائطٌ الْمَدِينَة وَهُوَ أَشرف الْحِيطَان، وشبّه الله جلّ وعزّ الحائطَ الَّذِي حَجَز بَين أهل النَّار وأهلِ الْجنَّة بأشرف حَائِط عَرَفْناه فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ اسمٌ واحدٌ لشَيْء وَاحِد، إِلَّا أَنا إِذا أردنَا أَن نعرِف الْفرق مِنْهُ قُلْنَا سُور. كَمَا تَقول التَّمر وَهُوَ اسمٌ جامعٌ للْجِنْس، فَإِذا أردنَا أَن نَعْرِف الْوَاحِدَة من التّمر قُلنا تَمْرَة، وكل منزلَة رفيعة فَهِيَ سُورَة، مأخوذةٌ من سُورَة البِناء، وَقَالَ النَّابِغَة:
ألمْ ترَ أَن الله أعْطاكَ سُورةً
تَرَى كلَّ مَلكٍ دونَها يتذَبْذَبُ
مَعْنَاهُ: أَعْطَاك رِفعة ومنزلة، وَجَمعهَا سُور أَي رِفَعٌ.
فأمّا سُورَة الْقُرْآن فَإِن الله جلّ وعزّ جمعَها سُوراً؛ مثل غُرْفة وغرف، ورُتْبة ورُتَب، وزُلْفة وزُلَف، فدلَّ على أَنه لم يَجْعَلهَا من سُور البِناء، لِأَنَّهَا لَو كَانَت من سُورِ الْبناء لقَالَ: فأْتوا بعشْرِ سُورٍ، وَلم يَقل {بِعَشْرِ سُوَرٍ} (هود: ١٣) والقُرَّاء مجمعون عَلَى سُوَرٍ، وَكَذَلِكَ اجْتَمعُوا على قِرَاءَة سُورٍ فِي قَوْلهم: {نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم} (الْحَدِيد: ١٣) ، وَلم يقْرَأ بسورٍ فدلَّ ذَلِك عَلَى تميُّز سُورَة من سور الْقُرْآن عَن سُورة من سُوَرِ الْبناء، وكأَن أَبَا عُبيدة أَرَادَ أَن يؤيِّدَ قَوْله فِي الصُّور أَنه جمع صُورة، فأخطأَ فِي الصُّور والسُّورِ، وحَرَّف كَلَام الْعَرَب عَن صيغتِه، وَأدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ خِذْلاناً من الله لتكذيبه بِأَن الصُّور قَرْن خلقه الله للنَّفخ فِيهِ حَتَّى يُميت الْخلق أَجْمَعِينَ بالنّفخة الأولى، ثمَّ يُحييهم بالنفخة الثَّانِيَة، وَالله حسيبُه.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: والسُّورة من سُوَر الْقُرْآن عندنَا: قِطعةٌ من الْقُرْآن سَبَق وُحْدانُها جَمْعَهَا كَمَا أنّ الغُرْفة سَابق للغُرَف. وأنزلَ الله جلّ وعزّ القرآنَ على نبيّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا بعد شَيْء، وجعَلَه مفصَّلاً، وبيَّن كلَّ سُورة مِنْهَا بخاتِمتِها وبادِئتِها، وميّزها من الّتي تَلِيهَا.
قلتُ: وَكَأن أَبَا الهَيْثم جَعَل السُّورة من سُور الْقُرْآن من أَسْأَرْتُ سُؤْراً: أَي أَفضَلْتُ فَضْلاً؛ إلاّ أَنَّهَا لمّا كَثُرتْ فِي