للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّوْرَاة} (الْفَتْح: ٢٩) أَي ذَلِك صِفة محمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة. ثمَّ أَعْلم أنّ صِفتهم فِي الْإِنْجِيل كزَرْع.

قلتُ وللنّحْوييّن فِي قَوْله تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} (الرَّعْد: ٣٧) قولٌ آخر قَالَه محمّد بن يَزيد الثُّماليّ فِي كتاب (المُقتضب) ، قَالَ: التَّقْدِير: فِيمَا يُتْلى عَلَيْكُم مَثَلُ الجَنة، ثمَّ فِيهَا وفيهَا.

قَالَ: وَمن قَالَ: إنّ مَعناه: صِفة الجَنّة. فقد أَخطأَ، لِأَن (مَثَل) لَا يُوضع فِي مَوضِع صِفَة، إِنَّمَا يُقال: صِفة زَيد أنّه ظريف، وَأَنه عَاقل، ويُقال: مَثَلُ فلانٍ: المثَلُ مَأْخُوذ من: الْمِثَال والحذو، وَالصّفة تَحْلِيةٌ ونَعْتٌ.

وَقَالَ الله تَعَالَى: {ياأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} (الْحَج: ٧٣) وَذَلِكَ أَنهم عَبَدُوا مِن دُون الله مَا لَا يَسْمع وَلَا يُبْصر وَمَا لم تَنْزل بِهِ حُجَّة، فأَعلمهم الله الجوابَ مِمَّا جَعلوه لله مَثَلاً ونِدّاً، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً} (الْحَج: ٧٣) .

يَقُول: كَيفَ تكون هَذِه الْأَصْنَام أَنْدَاداً وأمثالاً لله، وَهِي لَا تَخْلق أَضْعف شَيْء ممّا خلق الله. وَلَو اجْتمعوا كُلّهم لَهُ، وَإِن يَسْلُبهم الذُّبَاب الضعيفُ شَيْئا لم يُخلِّصوا المَسْلُوب مِنْهُ.

ثمَّ قَالَ: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (الْحَج: ٧٣) .

وَقد يكون (المَثَل) بِمَعْنى: العِبْرة: وَمِنْه قولُ الله تَعَالَى: { (أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلَاْخِرِينَ} (الزخرف: ٥٦) فَمَعْنَى (السّلف) أنّا جعلناهم مُتَقَدِّمين يَتَّعِظُ بهم الغابرُون. وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {سَلَفاً} ، أَي عِبْرة يَعْتبر بهم المُتأَخِّرون.

وَيكون (الْمثل) بِمَعْنى: الْآيَة، قَالَ الله تَعَالَى فِي صفة عِيسى: {عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ -} (الزخرف: ٥٩) أَي آيَة تدلُّهم على نُبُوّته.

وأمّا قَوْله تَعَالَى: { (لِّلَاْخِرِينَ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ} (الزخرف: ٥٧) جَاءَ فِي التّفسير: أنّ كفَّار قُرَيْش خَاصَمت النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قيل لَهُم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الْأَنْبِيَاء: ٩٨) قَالُوا: قد رَضِينا أَن تكون آلِهَتنَا بِمَنْزِلَة عِيسَى ابنِ مَرْيَم وَالْمَلَائِكَة الَّذين عُبِدوا مِن دُون الله.

فَهَذَا معنى ضَرب المَثل بِعِيسَى.

ويُقال: تمثَّل فلَان، إِذا ضَرَب مَثَلاً.

والمِثَالُ مَا جعل مِثْلُه.

حَدّثنا عبدُ الرحمان بن عَليّ، قَالَ: حدّثنا مُحَمَّد بن حُميد، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مُغيرة، عَن أُمّ مُوسى أُمّ ولد الحُسين بن عَليّ، قَالَت: زَوّح عليُّ بن أبي طَالب

<<  <  ج: ص:  >  >>