وَقَالَ النَّحويون: قِدْرُ مُثْفاة، من: (أثفيت) .
وَقَالَ حُطام المُجاشعيّ:
لم يَبْقَ من آيٍ بهَا يُحَلَّينْ
غيرَ خِطام ورَمَادٍ كِنْفَيْن
وصَالِياتٍ ككما يُؤَثْفَيْن
فَلَمَّا اضطره بِنَاء الشّعْر ردّه إِلَى الأَصل، فَقَالَ: يؤثفين، لِأَنَّك إِذا قلت: أَفعل يُفْعل، علمت أَنه كَانَ فِي الأَصل (يُؤفعل) ، فحذفت الْهمزَة لثقلها، كَمَا حذفوا ألف (رَأَيْت) من (أرى) ، وَكَانَ فِي الأَصل (أرأى) . وَكَذَلِكَ من: يرى، وَترى، ونرى؛ إِذْ الأَصل فِيهَا: يرأى، وترأى، ونرأى، فَإِذا جَازَ طرح همزتها، وَهِي أَصْلِيَّة، كَانَت همزَة (يؤفعل) أولى بِجَوَاز الطرح؛ لِأَنَّهَا لَيست من بِنَاء الْكَلِمَة فِي الأَصل؛ وَمثله قَوْله:
كُرَات غُلامٍ من كساءٍ مُؤَرْنَبِ
وَوجه الْكَلَام: مُرنب، فردّه إِلَى الأَصل، وَقَالُوا: رجل مُؤَنمل، إِذا كَانَ غَلِيظ الأَنامل.
وَإِنَّمَا أَجمعُوا على حذف همزَة (يؤفعل) استثقالا للهمزة، لِأَنَّهَا كالتقيؤ؛ لِأَن فِي ضمة الْيَاء بَيَانا وفَضلاً بَين غابر فِعْل (فَعَل) ، و (أفعل) فالياء من غابر (فَعَل) مَفْتُوحَة. وَهِي من غابر (أفعل) مَضْمُومَة، فأَمِنوا اللَّبس. واستحسنوا ترك الْهَمْز إِلَّا فِي ضَرُورَة شِعر أَو كَلَام نَادِر.
قلت: وَأما قَول النَّابِغَة:
وَلَو تأَثَّفك الأَعداء بالرِّفد
فَإِنَّهُ عِنْدِي لَيْسَ من (الأثفية) فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ من قَوْلك: أثَفْت الرَّجُلَ آثِفُه أَثَفاً، إِذا تَبِعْتَه.
والآثِف: التَّابِع.
حكى ذَلِك أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي، فِي (بَاب النَّوَادِر) .
وَقَالَ أَبُو زيد: تأَثَّفنا الْمَكَان تأَثُّفاً، ألِفْناه فَلم نَبْرحه.
وَمعنى قَوْله: وَلَو تأَثفك الأَعداء، أَي اتبعوك وألحوا عَلَيْك وَلم يزَالوا بك يُغْرونك.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: خامر الرّجُل بِالْمَكَانِ، إِذا لم يَبْرحه، وَكَذَلِكَ: تأثّفه تأثُّفاً.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَاذَا فِي الأمَرَّين من الشِّفا والثُّفاء) .
قَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال: إِن الثُّفَّاء، هُوَ الحُرْف.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الثُّفاء: الْخَرْدَل، بلغَة أهل الغَور.
الْوَاحِد: ثُفَّاءة.
قَالَ: وَيُقَال: هُوَ الخَرْدل المُعالج بالصِّباغ.