للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبِّهِمْ كَافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السَّجْدَة: ١١) هُوَ من: تَوْفية العَدَد.

تَأْوِيله: أَن يَقْبض أَرواحكم أَجْمَعِينَ فَلَا ينقُص وَاحِد منْكم.

كَمَا تَقول: قد اسْتوفيت من فلَان، وتوفَّيت مِنْهُ مَا لي عَلَيْهِ. تَأْوِيله: لم يَبْق عَلَيْهِ شَيْء.

أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي وَأبي عُبيدة: وَفَيت بالعهد، وَأَوْفيت بِهِ، سَوَاء.

وَقَالَ شَمر: يُقال: وَفَى، وأَوْفَى.

من قَالَ (وَفَى) فَإِنَّهُ يَقُول: تَمّ، كَقَوْلِك: وَفَى لنا فلانٌ، أَي: تَمّ لنا قولُه وَلم يَغْدر.

ووَفَى هَذَا الطَّعَام قَفِيزاً، أَي: تمّ قَفِيزا؛ وَقَالَ الحُطيئة:

وَفى كَيْل لَا نِيبٍ وَلَا بَكَرات

أَي: تَمَّ.

ثمَّ قَالَ: وَمن قَالَ: (أوفى) فَمَعْنَاه: أوفاني حقَّه، أَي: أتَمَّه وَلم يَنْقُص مِنْهُ شَيْئا.

وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا رَدّ على شَمر: الَّذِي قَالَ شَمر فِي (وفى) و (أوفى) باطلٌ لَا معنى لَهُ، إِنَّمَا يُقال: أوفيت بالعهد، ووَفَيت بالعهد.

وكل شَيْء فِي كتاب الله تَعَالَى من هَذَا فَهُوَ بِالْألف؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: ١) و {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} (الْإِسْرَاء: ٣٤) .

ويُقال: وَفى الكيلُ، ووَفَى الشيءُ، أَي: تَمّ.

وأوْفَيته أَنا: أَتْمَمْتُه؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ الْكَيْلَ} (الشُّعَرَاء: ١٨١) .

قَالَ: ويُرْوى عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِنَّكُم وَفَيتم سَبْعين أُمّةً أَنْتُم خَيرها وأَكْرمها على الله) ، أَي تمت العِدّة سَبعين أُمّة بكم.

قَالَ: وَأما قَوْلهم: وفى لي فلانٌ بِمَا ضَمِن لي.

فَهَذَا من بَاب: أوفيت لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، ووَفَّيت لَهُ بِكَذَا؛ قَالَ الأَعْشى:

وقبلك مَا أَوْفى الرُّقَادُ بجارَةٍ

وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى} (النَّجْم: ٣٧) ، أَي: بلّغ.

يُرِيد: بلّغ أَن لَيْست تَزر وازرةٌ وِزْرَ أُخرى، أَي: لَا تحمل الوازرة ذَنْب غَيرهَا.

وَقَالَ الزّجاج: وفّى إِبْرَاهِيم مَا أُمِر بِهِ، وَمَا امْتحن بِهِ من ذَبح وَلَده، فعزم على ذَلِك حَتَّى فَداه الله بِذبح عَظِيم، وامْتُحن بالصَّبر على عَذاب قَومه، وأُمر بالاختتان فاخْتَتن.

قيل: وَفَّى، وَهِي أبلغ من (وَفى) ، لِأَن الَّذِي امتحن بِهِ من أعظم المِحَن.

<<  <  ج: ص:  >  >>