للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُّسَمًّى} (هُود: ٣) فَمَعْنَاه: أَي يبقيكم بَقَاء فِي عَافِيَة إِلَى وَقت وفاتكم، وَلَا يستأصلكم بِالْعَذَابِ، كَمَا استأصل أهل القُرَى الَّذين كفرُوا. ومَتَّع الله فلَانا وأمتعه إِذا أبقاه وأنسأه إِلَى أَن يَنْتَهِي شَبَابه. وَمِنْه قَول لَبِيد يصف نخلا نابتاً على المَاء حَتَّى طَال طِواله فِي السَّمَاء، فَقَالَ:

سُحُق يمتّعها الصَفَا وسَريُّه

عُمّ نواعم بَينهُنَّ كُرُوم

والصَفا والسرِيّ: نهران يتخلَّجان من نهر محلِّم الَّذِي بِالْبَحْرَيْنِ يَسْقِي قرى هَجَر كلهَا.

وَقَول الله عزَّ وجلَّ: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (النُّور: ٢٩) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه عَنى ببيوت غير مسكونة الْخَانَات والفنادق الَّتِي ينزلها السابلةُ وَلَا يُقِيمُونَ فِيهَا إِلَّا مُقامك ظاعن. وَقيل: عَنى بهَا الخرابات الَّتِي يدخلهَا أَبنَاء السَّبِيل للانتفاض من بَوْل أَو خَلَاء. وَمعنى قَوْله: {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (النُّور: ٢٩) أَي مَنْفَعَة لكم تقضون فِيهَا حَوَائِجكُمْ مستترين عَن أبصار النَّاس، فَذَلِك الْمَتَاع. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. وَقَالَ ابْن المظفر: الْمَتَاع من أَمْتعَة الْبَيْت: مَا يَستمتِع بِهِ الْإِنْسَان فِي حَوَائِجه، وَكَذَلِكَ كلّ شَيْء. قَالَ: وَالدُّنْيَا مَتَاع الْغرُور يَقُول: إِنَّمَا الْعَيْش مَتَاع أَيَّام ثمَّ يَزُول، أَي بَقَاء أَيَّام. وَيُقَال: أمتع الله فلَانا بفلان إمتاعاً أَي أبقاه الله ليستمتع بِهِ فِيمَا يحبّ من الِانْتِفَاع بِهِ وَالسُّرُور بمكانه. وَيَقُول الرجل لصَاحبه: ابغني مُتْعة أعيش بهَا أَي ابغ لي شَيْئا آكله، أَو زاداً أتزوّده، أَو قوتاً أقتاته. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى يصف صائداً:

من آل نَبهان يَبْغِي صَحبه مُتَعا

أَي يَبْغِي لأَصْحَابه صيدا يعيشون بِهِ. والمُتَع جمع مُتْعَة. قَالَ اللَّيْث: وَمِنْهُم من يَقُول: مِتْعة، وَجَمعهَا مِتَع. ورَوَى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: المُتْعة، الزَّاد الْقَلِيل، وَجَمعهَا مُتَع. قلت: وَكَذَلِكَ قَول الله عزَّ وجلَّ: {الرَّشَادِ ياقَوْمِ إِنَّمَا هَاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الَاْخِرَةَ} (غَافِر: ٣٩) أَي بُلْغة يُتبلَّغ بِهِ لابقاء لَهُ. وَيُقَال: لَا يُمتعِني هَذَا الثَّوْب أَي لَا يَبْقَى لي، وَمِنْه أمتع الله بك. وَيُقَال: مَتَع النَّهَار متُوعاً إِذا ارْتَفع حَتَّى بلغ غَايَة ارتفاعه قبل أَن يَزُول. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

وأدركْنا بهَا حَكَم بن عَمْرو

وَقد متع النهارُ بِنَا فزالا

وَيُقَال للحبل الطَّوِيل ماتع. ونبيذ ماتع إِذا اشتدَّت حمرته. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الماتع من كل شَيْء: الْبَالِغ فِي الْجَوْدَة الْغَايَة فِي بَابه؛ وَأنْشد:

خُذْهُ فقد أُعطيتَه جيّداً

قد أُحكمت صيغتُه ماتِعا

أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر مَتَعت بالشَّيْء: ذهبت بِهِ. قَالَ: وَمِنْه قيل: لَئِن اشتريتَ هَذَا الْغُلَام لتَمْتَعَنَّ مِنْهُ بِغُلَام صَالح أَي لتذهبنَّ. وَقَالَ أَبُو زيد: أمتعت بأهلي وَمَالِي أَي تمتعت بِهِ. قَالَ: وَمِنْه قَول الرَّاعِي:

خليطين من شَعبين شتَّى تجاورا

زَمَانا وَكَانَا بالتفرق أمتعا

وَقَالَ الْكسَائي: طالما أُمْتِع بالعافية، فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>