للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرجلُ يعير عَيَراناً، وَهُوَ تردده فِي ذَهَابه ومجيئه. وَمِنْه قيل: كلب عيَّار وعائر. وَهَذَا من ذوَات الْيَاء.

وَأما العاريّة والإعارة والاستعارة فَإِن الْعَرَب تَقول فيهمَا: هم يتعاورون العواريّ ويتعوَّرونها بِالْوَاو، كَأَنَّهُمْ أَرَادوا تَفْرِقَة بَين مَا يتردّد من ذَات نَفسه وَبَين مَا يُردَّد.

وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَارِية منسوبة إِلَى العارة، وَهِي اسْم من الْإِعَارَة. يُقَال: أعرته الشَّيْء أُعيره إِعَارَة وعارة، كَمَا قَالُوا: أطعته إطاعة وَطَاعَة، وأجبته إِجَابَة وجابة. وَهَذَا كثير فِي ذَوَات الثَّلَاث؛ مِنْهَا العارة، والدارة، والطاقة، وَمَا أشبههَا. وَيُقَال: استعرت مِنْهُ عارِيّة فأعارنيها.

وَقَالَ اللَّيْث: سمِّيت الْعَارِية عاريّة لِأَنَّهَا عارٌ على من طلبَهَا: قَالَ: والعار: كل شَيْء تلْزم بِهِ سُبّة أَو عيب. وَالْفِعْل مِنْهُ التعيير.

قَالَ وَمن قَالَ هَذَا قَالَ: هم يتعيّرون من جيرانهم الماعون والأمتعة.

قلت: وَكَلَام الْعَرَب يتعوَّرون بِالْوَاو والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول فِي الشَّيْء يكون بَين اثْنَيْنِ.

وَمِنْه قَول ذِي الرمة:

وَسِقط كعين الديك عاوَرت صَاحِبي

أَبَاهَا وَهيَّأنا لموقعها وَكْرا

يَعْنِي الزند وَما يسْقط من نارها وَأنشد ابْن المظفر:

إِذا رَد المعاوِر مَا استعارا

وَيقال: تعاوَر الْقَوْم فلَانا، واعتوروه ضربا إِذا تعاونوا عَلَيْهِ. فَكلما أمسك وَاحِد ضَرب وَاحد، وَالتعاور عَام فِي كل شَيْء. وَتَعاوَرت الرياحُ رسم الدَّار حَتَّى عَفَته أَي تواظبت عَلَيْهِ. قَالَ ذَلِك اللَّيْث.

قلت: وَهذا غلط. وَمعنى تعاوَرت الرِّيَاح رسم الدَّار: تداوَلته، فَمرَّة تَهُبّ جَنُوباً، وَمرة تهبّ شمالاً، وَمرة قَبُولاً، وَمرة دَبُوراً.

وَمنه قَول الْأَعْشَى:

دِمْنة تَفْرة تعاوَرَها الصي

ف بريحين من صَبَا وَشَمالِ

وَقال أَبُو زيد: تعاوَرنا العواريّ تعاوُراً إِذا أعَار بَعْضكُم بَعْضًا، وتعوَّرنا تعوُّراً إِذا كنت أَنْت الْمُسْتَعِير، وَتَعاوَرنا فلَانا ضربا إِذا ضَربته مرّة، ثمَّ صاحبُك، ثمَّ الآخر أَيْضا.

وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التعاور والاعتوار: أَن يكون هَذَا مَكَان هَذَا وَهَذَا مَكَان هَذَا يُقَال اعتوراه وابتدَّاه، هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة، وَلَا يُقَال: ابتدّ زيد عمرا، وَلَا اعتور زيد عمرا. وَيُقَال للحمار الأهلي والوحشي: عَيْر، وَيجمع أعياراً. وَقد يُقَال: المَعْيُوراء ممدودة؛ قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي؛ مثل المعلوجاء، والمشيوخاء، والمأتوناء، يمدّ ذَلِك كُله ويُقصر. وَمن أمثالهم إِن ذهب عَيْر فعَيْر فِي الرِّبَاط. وَمن أمثالهم أَيْضا فلَان أذلّ من العَيْر، فبعضهم يَجعله الْحمار الأهلي، وَبَعْضهمْ يَجعله الوتِد.

وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الرِّضَا بالحاضر ونسيان الْغَائِب قَوْلهم: إِن ذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>