للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام، ثمَّ فُصلت بالوعد والوعيد، وَالْمعْنَى وَالله أعلم أَن آيَاته أُحْكِمَت وفُصِّلت بِجَمِيعِ مَا يُحتاج إِلَيْهِ من الدّلالة على تَوْحِيد الله وتثبيت نُبُوّة الْأَنْبِيَاء وَشَرَائِع الْإِسْلَام، والدليلُ على ذَلِك قَول الله جلّ وعزّ: {مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ} (الأنعَام: ٣٨) .

وَقَالَ بَعضهم: الْحَكِيم فِي قَول الله: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - ر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (يُونس: ١) إنّه فَعِيل بِمَعْنى مُفْعَل واسْتَدل بقوله جلّ وعزّ: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - ر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ} .

قلت: وَهَذَا إِن شَاءَ الله كَمَا قيل: وَالْقُرْآن يُوضِّح بعضُه بَعْضًا، وَإِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك وصوبناه: لِأَن حَكَمْتُ يكون بِمَعْنى أَحْكَمْت فرُدَّ إِلَى الأَصْل وَالله أعلم.

وروى شمر عَن أبي سعيد الضَّرير أَنه قَالَ فِي قَول النَّخَعِيِّ: حَكِّم الْيَتِيم كَمَا تُحَكِّم ولدَك مَعْنَاهُ حَكِّمْه فِي مَاله ومِلْكهِ إِذا صَلَح كَمَا تُحَكِّم ولدَك فِي مِلْكه.

قَالَ: وَلَا يكون حَكَّم بِمَعْنى أحكم لِأَنَّهُمَا ضدَّان.

قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو عُبيد، وَقَول الضَّرِير لَيْسَ بالمَرْضِيّ.

وَأما قولُ النَّابِغَة:

واحكم كَحكم فتاةِ الحَيِّ

فَإِن يَعْقُوب بن السِّكِّيت حكى عَن الرُّواة أَن مَعْنَاهُ كُنْ حَكِيماً كفتاة الحَيِّ أَي إِذا قُلت فأَصِبْ كَمَا أَصَابَت هَذِه المرأةُ إذْ نظرتْ إِلَى الحمَام فأَحْصَتْها وَلم تُخْطِىء فِي عَدَدها.

قَالَ: ويَدُلّك على أَن معنى احكم أَي كُن حكيماً قولُ النَّمِر بن تَوْلَب:

وأبغِضْ بغِيضَك بُغْضاً رُوَيداً

إِذا أَنْت حاولت أَن تَحْكُما

يُرِيد إِذا أردْت أَن تكون حكيما فَكُن كَذَا وَلَيْسَ من الحُكم فِي الْقَضَاء فِي شَيْء.

وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا كَانَ حكيما: قد أَحْكَمَتْه التجارب.

قَالَ: واسْتَحْكَمَ فُلانٌ فِي مَال فلَان إِذا جَاز فِيهِ حُكْمه. وَالِاسْم الحُكومة والأُحْكُومةُ وَأنْشد:

ولَمِثلُ الَّذِي جَمَعت لريبِ الده

ر يَأْبَى حكومةَ المُقتالِ

أَي يَأْبَى حُكومةَ المُحْتكِم عَلَيْك وَهُوَ المُقْتَال.

قلت: وَمعنى الحُكومة فِي أَرْش الْجِرَاحَات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دِيَةٌ مَعْلُومَة أَن يُجْرحَ الإنسانُ فِي مَوضِع من بدنه بِمَا يبْقى شَيْنُه وَلَا يُبطِل العُضوَ فيقتاسُ الْحَاكِم أرْشَه بِأَن يَقُول: هَذَا الْمَجْرُوح لَو كَانَ عبدا غير مَشِين هَذَا الشَّيْنَ بِهَذِهِ الْجراحَة كَانَ قِيمَته ألفَ دِرْهَم، وَهُوَ مَعَ هَذَا الشَّيْن قِيمَتُه تِسْعُ مائَة دِرْهَم، فقد نَقصه الشَّيْنُ عُشْرَ قِيمَته فيجبُ على الْجَارِح فِي الحُرّ عُشرُ دِيَتِه. وَهَذَا وَمَا أشبهه معنى الحُكومة الَّتِي يستعملها الفُقَهاءُ فِي أرش الجِراحات فاعْلَمه.

وَقَالَ اللَّيْث: التَّحكيمُ: قَول الحَرُورِيَّة لَا حُكْمَ إِلَّا لله وَلَا حَكَمَ إِلَّا الله. وَيُقَال:

<<  <  ج: ص:  >  >>