مسلم عن حرملة وفيه "كلها"، فقال أبو علي: من لا يحفظ الشيء فإنه يُعْذَر. فقال أبو عبد الله: من ينكر مثل هذا تُعْرَك أذنه وتُفَكّ أسنانه. فامتلأ أبو علي من ذلك غيظًا، وهمَّ أبو عبد الله بالقيام، فقال أبو علي: اقعد فإن بيننا حساب آخر، قال: وما هو؟ قال: حَدَّثْتَ عن كشمرد، عن حفص، عن إبراهيم بن طهمان بالحديثين، وقد تفرّد بهما أحمد بن حفص عن أبيه، فقال أبو عبد الله: لم أحدَّث، قال: بلى أبو القاسم وأبو حفص ابنا عمر ثقتان، وقد سمعناه منك، فقال أبو عبد الله: إن كنت حدَّثت به فقد رجعت عنه، فقال: لك غير هذا؟ قال: مثل ما هذا؟ قال: حدثت في تخريجك القديم على كتاب مسلم عن أحمد بن سلمة، عن محمد بن المثنى، عن محمد بن جهضم، عن إسماعيل بن جعفر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال المؤذن الله أكبر، الله أكبر"، والآن فقد حدثت به عن علي بن الحسن، عن محمد بن جهضم، فقال أبو عبد الله: كلاهما عندي؛ وقد حدَّثت بهما، وهذا حديثي إن شئت حديث بالنزول وإن شئت حديث بالعلو، فقال أبو علي: لا ترتقِ من النزول إلى العلو وأنت تحفظ حديثك، أَخْرِجْ إلينا حديث علي بن الحسن، فقال أبو عبد الله: كل من جاءني هذه الساعة فإني أخرج إليه حديث علي بن الحسن، ثم تفرّقنا، وصحبت أبا عبد الله بن يعقوب، فسمعته غير مرة في الطريق يقول: هذا جزاء من لم يمت مع أقرانه، وكنت أرى أبا علي بعد ذلك نادمًا على ما قال ذلك اليوم.
[ذكر أبو علي يومًا ما روى سليمان التيمي عن أنس، فمررتُ أنا في الترجمة، وكان بحضرة أبي علي رحمه الله وجماعة من المشايخ، إلى أن ذكرت حديث "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، فحمل بعضهم عليّ، فقال أبو علي له: لا تفعل، فما رأيت أنت ولا نحن في سِنَّه مثله] (١).
[سمعت أبا علي الحافظ يقول: سمعت منصور بن إسماعيل بمصر ينشد لنفسه:
(١) نقلها الذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات سنة ٤٠٥/ ص ١٣٣) وقال: قال الحاكم في ترجمة أبي علي النيسابوري الحافظ من تاريخه.