دخل خراسان وأكثر الاختلاف إلى أحمد بن حرب الزاهد، وأكثر عن أحمد الجويباري ومحمد بن تميم الفاريابي، ولو عرفهما لأمسك عن الرواية عنهما. ولما ورد نيسابور بعد المجاورة بمكة خمس سنين، وانصرف إلى سجستان، وباع بها ما كان يملكه، وجاء إلى نيسابور، حبسه محمَّد بن عبد الله بن طاهر، وطالت محنته، فكان يغتسل كل يوم جمعة، ويتأهّب للخروج إلى الجامع، ثم يقول للسجّان: أتأذن لي في الخروج؟ فيقول: لا. فيقول: اللهم إني بذلت مجهودي، والمنع من غيري.
وبلغني أنه كان معه جماعة من الفقراء، وكان لباسه مسك ضأن مدبوغ غير مخيط، وعلى رأسه قلنسوة بيضاء. وقد نُصِب له دكان لبن، وكان يُطرح له قطعة فرو فيجلس عليها ويعِظ ويذكِّر ويحدِّث.
وقد أثنى عليه، فيما بلغني، ابن خزيمة، واجتمع به غير مرة. وكذلك أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسين الحاكم، وهما إماما الفريقين.
وحدثني الثقة قال: أنا عبد الرحمن بن محمَّد قال: قال أحمد بن محمَّد الدهان: خرج ابن كرّام الزاهد من نيسابور في سنة إحدى وخمسين ومائتين، ومات بالشام في صفر سنة خمس وخمسين، ومكث في سجن نيسابور ثمان سنين". اهـ.
ونلاحظ في هذه الترجمة أن الحاكم يعظِّم ابن كرّام، ويلتمس له العذر في روايته عن أحمد الجويباري ومحمد بن تميم الفريابي الكاذبَين فيقول: "لو عرفهما - أي أنهما كاذبَين - لأمسك عن الرواية عنهما". ثم يتكلم عن "محنته"، وعن زهده وسيرته مع الفقراء، ويذكر أن ابن خزيمة - إمام الشافعية - وعبد الرحمن بن الحسين الحاكم - إمام الحنفية - اجتمعا بابن كرّام غير مرة وأنهما أثنيا عليه، ولكنه لم يذكره بإسنادٍ كعادته بل قال: "فيما بلغني"، فهي إذًا رواية منقطعة سندًا ومنكرة متنًا، إذ كيف يثني إمام الأئمة ابن خزيمة على ابن كرّام المجسِّم الضال وهو القائل في كتاب "التوحيد" (١): "نحن وجميع