وكان صلوات الله وسلامه عليه أشد الناس حياءً، وأكثرهم عن العورات إغضاء قال أبو سعيد الخدري: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفنا في وجهه وكان لا يخاطب أحدًا بما يكره حياءً وكرمًا.
أما شفقته ورحمته ورأفته ولطفه بجميع الخلق، فما ذكر الله عنه بقوله:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: ١٢٨] وقال عز من قائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧] وأما تواضعه –مع علو منصبه ومكانته، ورفع رتبته- فقد خيره الله بين أن يكون ملكًا نبيًا، أو عبدًا نبيًا، فاختار عبدًا نبيًا، وكان يقول:«إنما أنا عبد، أكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» وكان يجالس الفقراء، ويعود المساكين، ويجلس مع أصحابه مختلطًا بهم، كأنه واحد منهم، وكان يقول:«اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين» .
وأما عدله وأمانته، وعفته ومروءته، ووقاره وهيبته، وصدقه ووفاؤه بالعهد وحفظه للوعد، وصلته للأرحام، وعطفه على الأيتام، فقد بلغ في كل ذلك الغاية، ووصل إلى النهاية وأما زهده وورعه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إني عرض علي أن تجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، فقلت، لا يا رب. أجوع يومًا، وأشبع يومًا، فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك» وقالت، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنا كنا آل محمد لنمكث شهرًا ما نستوقد نارًا، إن هو إلا التمر والماء، وأما خوفه من ربه، وطاعته له فعلى قدر علمه به، ولذلك قال: «لو تعلمون ما