أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا ما نحب انه لنا بشيء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» .
ذلك مثل الحياة الدنيا التي انشغل بها الكثير من الناس عن الآخرة كالمطر ينزل على الأرض فاختلط به نباتها أو تنبت من كل زوج بهيج. فبينما خضرتها ناعمة زاهرة تأخذ بالقلوب، وزهرتها فاقعة تسر الناظرين وتأخذ بالألباب، إذ أصبحت هشيمًا تذروه الرياح فذهب ذلك النبات الناظر والزهر الزاهر، والمنظر البهي، فأصبحت غبراء موحشة قد صدف عنها البصر وأنحرف عنها النظر، كذلك هذه الدنيا بينما صاحبها قد أعجب بشبابه وفاق فيها على أقرانه وأترابه وحصل الدرهم والدينار، واقتطف من لذاتها الأزهار، وخاض في اللذات والشهوات أيامه، وظن أنه لا يزال في الدنيا سائرًا، وعلى تصريف أحوالها قادرًا إذ أتاه الموت فذهب عنه سروره وزالت لذته وحبوره واشتدت آلامه وفارق قوته وماله وجاءت سكرة الموت بالحق ونقل إلى قبره لا مال ولا ولد ولا خدم ولا حشم مجردًا ضعيفًا وحيدًا فريدًا فمن يا ترى ينجيه من بأس الله ويخفف من كربته ويؤنسه في وحدته ودار غربته. اللهم لا شيء إلا عمل صالح قدمه في دنياه فهو أنيسه في قبره ورفيقه في حشره ونشره {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[الطور: ٢١] .
فمن زرع الذنوب والآثام في الدنيا فلن يحصد إلا الشوك والضريع والمهل في الآخرة منها طعامه {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان٤٦] .
ومنها شرابه {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً}[الكهف: ٢٩] . ومن زرع الباقيات الصالحات