المحبة والدواعي حتى عجزوا عن الصبر وعدم الحيلة في اجتناب الشهوة، فساقتهم الشهوة المفطورة في خلقهم إلى الاجتماع، وجعل الفكرة تحرك عضوًا مخصوصًا به إلى إيداع الماء في القرار المكين الذي يخلق في الجنين، فاجتمعت فيه النطفة من سائر البدن، وخرجت ماء دافقًا مندفعًا من بين الصلب والترائب بحركة مخصوصة، فانتقلت بسبب الإيلاج من باطن إلى باطن، فكانت مع انتقالها باقية على أصلها، لأنها ماء مهين، أدنى شيء يباشرها يفسدها ويغير مزاجها، فهي ماء يختلط جميعه، مستوية أجزاؤه، لا تفاوت فيها بحال، فخلق سبحانه منه الذكر والأنثى بعد نقلها من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام.
ثم كساها اللحم، وشدها بالأعصاب والأوتار ونسجها بالعروق، وخلق الأعضاء وركبها، فدور سبحانه الرأس، وشق فيها السمع والبصر والأنف والفم وسائر المنافذ.
جعل العين للبصر:
ومن العجائب سر كونها مبصرة للأشياء، وهو أمر يعجز عن شرح سره وركبها من سبع طبقات، لكل طبقة صفة وهيئة مخصوصة بها، فلو فقدت طبقة منها أو زالت لتعطلت عن الإبصار.
وانظر إلى هيئة الأشفار التي تحيط بها، وما خلق فيها من سرعة الحركة لتقي العين مما يصل إليها بما يؤذيها من غبار وغيره، فكانت الأشفار بمنزلة باب يفتح وقت الحاجة ويغلق في غير وقتها، ولما كان المقصود من الأشفار جمال العين والوجه جعل شعرها على قدر لا يزيد زيادة تضر بالعين ولا تنقص نقصًا يضر بها، وخلق في مائها ملوحة لتطهير ما يقع فيها، وجعل